أقلام حرة

تصرح سياسي أم قديفة من العيار؟

بعد أيام معدودة من عودة المغرب للإتحاد الإفريقي، وتوقيعه لاتفاقيات جد مهمة مع العديد من الدول الإفريقية الصديقة، وإبرامه لشراكات مع بلدان أخرى كانت لوقت قريب تتموقع ضمن المثلث المناهض لوحدتنا الترابية، التي أثمرت بفضل ما بدله ويبدله ملك البلاد من مجهودات جبارة، تموقعا أفضل للمغرب وتقوية موقفه وتحسين وضعه الدبلوماسي لدى الدول الافريقية وفي عالم جديد في طور البناء، وتقليلا من عدد مناصري خصوم وحدتنا الترابية، وإضعافا من معاكساتهم لمصالح وطننا، لكن وفي مقابل كل هذه الدبلوماسية الناجحة، وتلك الاستراتيجية المتفردة الخارجة عن القوالب القذيمة الجامدة في التعامل مع علاقاتنا بمحيطنا الإقليمي والدولي، والتي استثمرها ملكنا في بناء وتطور المغرب، وحماية مقومات أمنه والمحفاظة على منجزاته الوطنية وتوظيف طاقاته في كافة المجالات ؛ ففي هذا التوقيت بالذات، خرج علينا رئيس الحكومة السيد بنكيران بالصوت والصورة، بتصريح لا يقل خطورة عن الذي خرج به قله السيد حميد شباط، والمتعلق بموريتانيا، تصريح ينسف منطق الزيارة الملكية لإفريقيا بكل ماعالجته الإستراتيجية التي أطرتها و مازالت تؤطرها، تصريح أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه تصريح خارج السياق، ومتجاوز لكل الخطوط، تصريح تجرأ على انتقاد السياسة الملكيى التي يقودها  الملك في افريقيا،  بكلل منجازتها العظيم التي شكلت إنفتاحا على الدول الإفريقية، ورهانا قويا للمغرب، واعتبارها مجرد أعمال لا تخدم مصالح المغرب الإقتصادية، وعبثا يبدر مال الشعب المغربي، الذي هو أولى به من الدول الإفريقية، وذلك في الكلمة التي تناقلته مواقع التواصل بالصوت والصورة عن المجلس الوطني لنقابة حزبه بسلا، والتي يقول فيها : "ما يمكنش يمشي الملك يفرج كربات بعض الشعوب، والشعب المغربي يهان، هادي إهانة للشعب"، والتي ربطها ربطا غير سليم وغير مقبول، لما سماه "تفريج كرب إفريقيا وبين تعرض الشعب المغربي للإهانة"، الأمر الذي يجسد قمة النفاق السياسي، ويضرب بالمصالح العليا للدولة وينسف الرهانات الجيواستراتيجية للبلاد، التصريح الذي لا شك أن السيد رئيس الحكومة المعين سيحاول، كعادته، إيجاد تخريجة للتنصل من تصريحه الذي يشكل انزلاقا خطيرا ماسا بقواعد اللباقة وبأواصر الصداقة والتعاون بين الدول والشعوب، بعد أن تنبه أو نُبه لخطوره التي لم يزن حمولته، ولم يستحضر تداعياته على مصالح المغرب والمغاربة، ولم يختر اللحظة المناسبة لإطلاقه، والذي سيدعي بأنه حُرف عن قصده بما يتلاءم ورؤية الأعداء، وحتى وإن هو حاول ذلك - وسيفعل ذلك بنفسه أو بالنيابة عنه، كما حدث مع تصريحاته السابقة، التي لم يتجاوز الملك انعكاساتها الخطيرة على مستوى السياسة الخارجية للمملكة إلا بصعوبة، كالتصريحه الذي أهان فيه كولومبيا داخل مجلس النواب في معرض جوابه على برلماني، وتصريحه الذي تهكم فيه على الصين في جواب له حول الوضع الصحي ببلادنا داخل مجلس النواب،وتصريحه الذي تهجم فيه على روسيا الحليف الإستراتيجي للمغرب على مستوى القضية الوطنية إلخ ...- فإن ذلك لن ينفع،هذه المرة،  في شيء، ولا يمكن أن يبرر زلته بالمطلق، لأن الموضوع حساس وفائر، لتعلقه بالقضية الوطنية الأولى وكرامة الشعب المغربي وسياسة ملكه الذي مهما اختلف المغاربة كافة حول أي أمر، إلا واجتمعوا على نصرته وإجلاله في أي زمان أو مكان، ومن أي موقع كان، ولأن موقع السيد رئيس الحكومة يحتم عليه بأن يكون الأكثر حرصا على ألا يحتمل كلامه أكثر من معنى بشأن أي موضوع، فما بال إذا تعلق الأمر بموضوع  حساس، كقضية الصحراء المغربية، والذي يعرف ملفها تكالبا كبيرا، في هذا التوقيت.

ولذلك أنه لا أحد يشك في أن المغاربة لا يلومون أحدًا من رجال السياسة على قلة خبرته، أو سوء فهمه لدوره ومسؤوليته، ولكنهم يلومون من يتشبث منهم وبرغبة عارمة في إقحام مبادرة ملكهم في الصراع على السلطة والضغط عليه لانتزاع الأغلبية بالقوة السياسية، في مثل هذه المرحلة الجد معقدة سياسيا، ويعتبرون ذاك بحق هو ما يهين الشعب المغربي، ويحط من وعيه، ويهبط بمستوى مواطنيه، وينحدر بهم إلى منزلقات تطيل معاناتهم، وليست الزيارات الملكية للدول الإفريقية، التي أتت أكلها بإذن الله، كما يدعي التصريح الذي لا شيتم منه إلا رائحة التشبث بمصلحة أصجابه ومصلحة حزبهم قبل مصلحة المغرب والمغاربة

حميد طولست

في المثقف اليوم