أقلام حرة

قراءة في مجموعة: غصنٌ يزقزق في رماد للشاعر ثامر سعيد احتفاءٌ بثنائية المرأة / القصيدة

قبل أن يفكّر الشاعر، أي شاعر، بإصدار مجموعته الشعرية، فإنه لا بد أن يستجمع عصارة تجربته، يشذب أفكاره ، يدوزنها، ويرتّب أبجديتها حتى يُخرجها إلى النور ويكون متاحاً للآخرين أن يطّلعوا عليها ....

وهذا ما فعله الشاعر ثامر سعيد آل غريب عبر مجموعته اللافتة (غصنٌ يزقزق في رماد)، التي أصدرها عن دار (ورّاقون) في العام 1916 .

احتشدت المجموعة بهموم الشاعر وأشجانه الشخصية التي يدخل كثيرٌ منها في إطار الهموم الجمعية، وعكست تجلياته اللائبة بشأن أسئلة وجودية ظلـت معلّقة في الفضاء اللامرئي .

بوسعنا أن نتلمّس أن مخيلة الشاعر تحركت في هذه المجموعة ضمن محورين أساسيين، يتمثلان بثنائية المرأة/ القصيدة، ويتضح لنا ذلك من خلال مفتتح الديوان؛

سنديانةً أريدكِ أيتها القصيدة

تنمو على مهَلٍ .

ثم نقرأ في ذات المنحى، في نبرة هجاء تجاه آخرين لا تعنيهم هموم الشاعر ورؤاه المجنّحة بشيء؛

أختامٌ، صناديقُهم، ودراهم

وزهورٌ ذابلةٌ صناديقي ورسائل .

في مقطوعته (الكلمات)، تتضح رؤاه بفاعلية أكبر؛

فراشاتٌ هي؛ يكفي أن تُضيء لها قلبَكَ، كي تُصبِح قصائد !

يرسم الشاعر لنا في قصيدة أخرى متشعبة الدلالات بعنوان (خطوط) منحنياتٍ بيانيةً للمعنى الذي غالباً ما يغيب ويغيم عن أذهان الكثيرين؛

على الرملِ خطوط، ترسمها العرّافات فنصدّقها

للمثلثات خطوط، رعبٌ وموت، للمربعات خطوط كدٍ وأمل

خطوطُ مكرٍ وكمال للدوائر، خطٌّ وحيد للسكينة

في مقطوعة أخرى بعنوان (بيدق) يعكس الشاعر لنا صورة طريفة للطموح؛

في المرآةِ، وزيراً يرى البيدقُ نفسَه .

في مقطوعة (بائع الورد) يتطرق إلى معنىً متداول بوفرة بين الناس، يجسّد  واقعاً مأساوياً ً ومفارقة؛

كلّ ليلة، يُقلّب في غرفته الرطبة قلبَه، فلم يجد سوى وردةً ذابلة

نلحظ أيضاً أن الشاعر يخوض في سجالات  تجاه بعض خصومه ومن المحتمل جداً أن يكونوا شعراء أيضاً ويصوّب إليهم سهامَه اللاذعة؛

فخزائني مشاعةٌ للندامى والعصافير

من جنائن روحي يقطفُ العشّاقُ ورودَهم

صيحة النسر أنا، ترددني القممُ الشاهقة

وريشي كلُّ هذا الهواء

وهنا يريد لقصيدته أن تكون نابضة ومتأججة؛

القصيدةُ التي لا تُربك دمكَ، علّقها على حائط النسيان

لا تُمسكْها بعنفٍ، تمتْ بين يديكَ،

ولا تراودها على خجلٍ تشُه عنكَ،

فراشاتٌ هي يكفي أن تُضيء لها قلبَكَ كي تُصبحَ قصائد ْ

على أنه، ما يلبث أن يعود إلى ثيمته الأثيرة، والتي هي ملاذٌ وخلاص أبدي، ونعنى المرأة؛

وأنتِ تلقنين العُشبَ

بلاغة الطين

وتفركينَ الآس بكقيّكِ لتُثيري حفيظة النعناع

فارمي على بهرجة السرير طلاسمَكِ

علّها تُماثلنا إلى الجنون

ودعي لأناملي  التأويل

ونقرأ أيضاً؛

كلّما تنشّقتُ وردةً، أتخيلني في عناقٍ معكِ

كلّما تحدثوا عن الهذيان وعن التحليق بلا أجنحة

عن سكتة القلب، تذكّرت قُبتَكِ الأولى

وهو يريد للأنثى مواصفات عسيرة حقاً حتى يكون بمقدوره أن يصل معها إلى مرحلة التأجج والتشظي، نقرأ في قصيدة (سيُصيبكِ مطري)؛

أُريدُكِ امرأةً تبزغُ من زهرة

بيضاءَ تغبطُها الطفولة

عصفورةً تنقرُ نافذة القلب

مرةً كالقهوة

سوداءَ كالجحيم !

 

أحمد الحلي

 

 

 

في المثقف اليوم