أقلام حرة

خطوات تدمير العراق برؤية أمريكية!

اعتمد العراق بعد عام ٢٠٠٣ على سياسة جديدة، اعتمدتها السياسية الامريكية في هذا البلد بعد احتلاله، اذ ألقت هذه السياسية بضلالها على المشهد السياسي عموماً، والاقتصادي خصوصاً، حيث أمسى العراق بلداً  فقيراً متراجعاً في شتى المجالات، إبتداءً من الملف الامني والذي لم تستطع المليارات التي صرفت، ولا الحشود البشرية والمعدات العسكرية من حفظ أمنه وسيادته، من خطر التدخل الأجنبي، وأمست محافظاته الثلاث التي سقطت بيد الاٍرهاب الداعشي مرتعاً ودولة لهم، وأضحى ساحة حرب للاطراف الإقليمية المتصارعة، وأصبح الارهابي من مختلف الجنسيات يصول ويجول بحرية في ارض العراق وماءه، ومن خلال لغة الأرقام التي اعتمدها متخصصون في السياسة التجارية والإصلاح الاقتصادي، يمكن قراءة المشهد الاقتصادي من زاوية هذه الأرقام .

1- ان اخطر الخطوات التي قام بها الحاكم المدني في العراق " بقول بريمر " بعد عام ٢٠٠٣، هي حل المؤسسة العسكرية والأمنية، الامر الذي جعل البلاد مرتعاً للقوات الأجنبية، وساحة حرباً مفتوحة للقتلة والارهابيين والمرتزقة ومن جميع الجنسيات، وكان بالإمكان اعتماد مبدأ تشذيب المؤسسة العسكرية من البعثية والفاسدين، وإعادة بناءها بما يحقق الأمن السريع للبلاد .

2- تهميش القطاع الخاص، والاعتماد على الاستيرادات من الخارج، حيث بلغت الاستيرادات من السلع الاستهلاكية حوالي 410 مليار دولار حتى عام ٢٠١٥، اذ لم تكن لهذه السلع اي أهمية إنتاجية للبلاد، الامر الذي أدى الى تراجع القطاع الخاص وضياعه .

3- اعتمدت الحكومة العراقية عام ٢٠١٥ سياسة " التقشف "، وعلى الرغم من هذه السياسية، بلغ حجم الاستيراد العراقي حوالي 44 مليار دولار، بينما كانت واردات العراق النفطية لا تتجاوز 39 مليار دولار، اي بعجز بلغ 5 مليار دولار، وهذا سببه السياسية المالية الفاشلة والفاسدة والتي كانت متبعة في معالجة المشاكل الاقتصادية، وعدم وجود رؤية واضحة في معالجة العجز في الميزانية السنوية للدولة، واتخاذ إجراءات تقشفية ملموسة في معالجة هذا العجز .

4- الانخفاض الخطير واللافت لرصيد العراق من العملات الصعبة في مزاد البنك المركزي العراقي، حيث انخفض من 88 مليار دولار الى 49 مليار، الامر الذي جعل الذي جعل البلاد مهددة بإعلان افلاسها .

5- ما كان سبباً في تراجع الاقتصاد العراقي، هو فتح باب الاستيراد على مصراعيه، والغاء التعريفة الجمركية، والإبقاء على ٥٪‏ (هذا ان وجدت في ظل الفساد، وسيطرة الاحزاب السلطوية)، الامر الذي جعل السوق العراقي يعيش حالة الركود، وأصبحت المعامل والمصانع الإنتاجية الكبيرة مخازن للسلع المستوردة من الخارج .

6- سعى الأميركان الى انشاء طبقة تجارية، لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي او التجاري، عبر صفقات مشبوهة مع الجيش الامريكي، والتي تحولت فيما بعد الى أدوات فاسدة، وأصبحت فايروسات تهدد الكيان الاقتصادي، عبر اعتمادها مبدأ " الربح السريع "، بعض النظر عن الاثار السلبية المترتبة على هذه السياسة .

7- تهريب الأموال العراقية الى الخارج، حيث بلغت الأموال المودعة في البنوك الاردنية لوحدها حوالي 15 مليار دينار أردني، اي بما يعادل حوالي 21 مليار دولار، ناهيك عن الأموال المجمدة والمودعة في اغلب البنوك والمصارف العربية والأجنبية .

 السياسية الاقتصادية والفساد الاداري في موسسات الدولة كافة، كان سبباً مباشراً في انهيار الاقتصادي، وتراجع الدينار العراقي امام العملات الصغيرة الاخرى، وغيرها من سياسات واجراءات كانت سبباً من أسباب التراجع الاقتصادي في البلاد، اذ هناك تراجع واضح في المجال الصحي، وتوفير السكن للمواطنين، والتضخم الكبير واللافت في العاصمة بغداد، والتضخم في موسسات الدولة من حيث إعداد الموظفين اذ بلغ أعدادهم اكثر من 4 ملايين موظف، في حين كان عدد موظفي الدولة لايتجاوز 400 الف موظف، كما عدم وجود قاعدة بيانات موحدة يمكن اعتمادها، والرجوع لها، واعتماد مبدأ الاجتهاد في عمل الوزارات ومؤسسات الدولة، سبباً في ترهل المؤسسات وأصابتها بالشيخوخة، ناهيك عن عدم وجود الموازنة الاستثمارية في موازنات العراق الحالية، الامر الذي يجعل العراق يعتمد على حركته الاقتصادية على النفط فقط، والذي هو الاخر غير ثابت على الزمن الطويل، وتعطيل المشاريع والتي بلغت اكثر من 9000 آلاف مشروع معطل، بقيمة فعلية تقدر بحوالي 206 مليار دولار، وخسارة العراق فقط في احتلال الاٍرهاب الداعشي للموصل اكثر من 28 مليار دولار .

عدم تبني السياسات الاقتصادية الواضحة، والفساد المستشري، وسيطرة الاحزاب النافذة على مفاصل الدولة الاقتصادية، والجهل الاقتصادي لدى التجار العراقيين، ويبقى السؤال متى سيكون للسياسة والسياسيين دورا في دعم الاقتصاد العراقي وكيف سيحدث التغيير والتحديث في عقلية الساسة العراقيين لكي يجعلوا من الاقتصاد هدفا لهم ولسياساتهم، وكيف يمكن للاقتصاد أن يدخل في صناعة قراراتهم، وان يكون الاقتصاد جزءا من ثقافتهم، عبر تطوير القطاع العام وتنميته وتحقيق الازدهار والرفاهية للجميع، وان كان هذا يبدو أمر بعيد المنال وليس له على أجندة السياسيين مكان لا من قريب ولا من بعيد!   

 

محمد حسن الساعدي    

 

 

 

في المثقف اليوم