أقلام حرة

العظماء لا يموتون ..

يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله، وتبقى ذكرهم حي على الأرض، قوة تحرك، ورابطة متينة تجمع، ونور ساطع يهدي، وعطر فواح  ينعش، وهذه هي العظمة، وذاك هو خلودا، فكل ما يخلفه العظماء من ميراث وآثار مشهودة، هي أمجاد يُعتز ويُفخر بها، وأعمال جليلة يُنتفع بها، وأفكار نيرة يُهتدى بها من بعدهم، كما قال الشاعر:

المرء بعد الموت أحدوثة … يفنى وتبقى منه آثاره

فأحسن الحالات حال امرئ     …   تطيب بعد الموت أخبــاره

لقد ترجلت أيها الوطن الاستثنائي، والفنان الاستثنائي، والمسرحي الاستثنائي، والسنمائي الاستثنائي، ترجلت يا وحش الفلاة عن فرسك في وقت ما زال الركح في أشد الحاجة إليك،  خاصة أن الاستثنائيين أمثالك لا يعوضون ..

ولا أخالني مسرفاً إن تمنيت أن تتذوقَ الأجيال الشابة وسامة أوصافك، وصدق أقوالك، وتميز أفعالك، حتى يعلموا مقدار ما خسرته الساحة الفنية من قيمة، وليعرفوا ما فقد الوطن من ذاكرة وطنية، جديرة بالاحتفاء والتكريم، ومقدار ما خسره الذين عرفوك عن قرب، وما تعلمه من زاملك من غزير مزاياك، وشرفوا بتسجيل أسمائهم معك في سجل وأصداء حضورك المتميز الذي يستحق منا جميعا أن نؤلف فيها وعنها كتبا ترصد وتتحدث عن مسيرتك الفنية النضالية، وتكفيك رائعتك افداعية "أزلية سيف بن ذي يزن"، ولازمتها التي رددها وراءك في السبعينات، عشاقك الذين أبهرتهم بصوتك الجهور المتميز قائلا :"سموني وحش الفلا واسمي بن ذي يزن، رموني في الخلاء، وأحماني الخالق الرحمان " المسلسل الاداعي التي تستحق عليه عن جدارة، أن يقام لك تمثال، بل تماثيل تليق بمقامك وانجازاتك، وفي مدخل كل قاعة كل مسرح أو سينما، لتذكير الناشئة بمن أمتع المغاربة كافة على مدى سنين بلازمته " أنا وحش الفلاة الذي " .

عزاؤنا في رحيلك أيها المناضل الصلب الذي خسر الفن الصادق بوفاتك أحد أبرز عناصر النقاء والمثابرة، هو فيما اذخرت عند ربك مما قدمت يداك من باقيات غزير إنتاجاتك، وصالحات ما فرجت بها من كرب المهمومين الكادحين، الذين كانت مسرحياتك ومسلسلاتك وإيداعياتك لهم تسلية وتخفيفا من أوجاعِهم ولواعجهم، والتي لا يسعني هنا، إلا أن أقول في حقك، بعد قول رب العالمين الذي : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي"، لقد تركت برحيلك فراغا في النقاء والزهد والوفاء والتواضع والالتزام من الصعب أن يملأه غيرك بعدك، لقد خسرناك بحق ومن الصعوبة بمكان تعويضك، رحمة الله عليك، وتغمدك الله بالرحمة والمغفرة  .

و لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

حميد طولست

في المثقف اليوم