أقلام حرة

الرَّبيع الأمَازيغِي

استبشـَر كثيرٌ مِن المَغـَاربة بالرَّبيع العَربـِي كحَال غيرهِم مِن الشُّعُوب التي تتـُوق إلى الكـَرَامَة والعَدَالـَة والحُريَّـة فِي تـُونـُس ومِصر وسُوريَا والعِرَاق وليبيَـا واليَمن.. فخَرَج المَغـَاربَة كعَادَتِهم يُطلقـُونَ عَقِيرَتهُم بالصُّرَاخ والتظـَاهُر السِّلمِي مُطـَالِبين بالعَدَالة الاجتمَاعيّة والقضَاء عَلى الفسَاد ومُحَاسبَة النـَّاهِبين لثرَوَات البَــلد، فكـَان من بَين القِوَى الحَيويَّة الشَّعبيَّة التي حركت الشارع (حَرَكة 20 فبرَاير) التِي لفظَت أنفـَاسَهَا بَعد تـَغيير الدّستور المَغربي، وحَرَكة العَدل والإحسَان التِي ضَعُفَ تنظِيمُهَا بعد مَوت مُرشِدهَا ومُؤسِسِهَا الأول الشيخ عبد السلام يَاسِين، وخاصَة بَعد صِدامِهَا المباشِر مع النظـَام، الأمر الذِي دفـَعَ -هَذا الأخير- إلى ضربهَا مِن البنيَة الداخليَّة عَبر نشطائِهَا ومِن الخَارج عَبر تيَّارَاتٍ دينيـّـة سَلفيّـة وصُوفيّة وسيَاسيّة أخرَى ...

الرَّبيع العَربـِي شهدَ إخفـَاقـًا ذريعًا فِي جُلِّ الدُّول العَربيّة مثل سُوريَا، اليَمَن، ليــبيَا..، وذلك يَرجعُ بالأسَاس إلى التدَخـُّل الغـَربي الذِي يُعَارضُ فكرَة بنـَاء دَولـَة ديمقرَاطيّة فِي الوَطـَن العَربـِي، ويرجعُ أيضًا إلى طبيعَة النـُّظـُم الدِّيكتـَاتوريّة التِي تلعَبُ بورَقة الإرهَاب لشـَرعَنـَة القتـل الجَمَاعِي وقمْع المُتظـَاهِرين، هَذا عَلاوة على التصَادم الكـَارثِي والمُهول بَينَ القِوَى السِّيَاسيّة العَلمَانيَّة والتيَّارَات الدِّينيّة من جهة، ومِن جهَةٍ أخرى بَين التيَّارَات الدِّينيَّة مَعَ بَعضهَا البَعض.

الرَّبيع العَربي فِي المَغرب كانَ مُختلفـًا ومُغايرًا وذلك يُعزى إلى طبيعَـة النـِّظـَام السِّيَاسِي القـَائم في المغرب المَبنِي عَلى المَلكيّة الدستـُوريّة، والذي يُعد أقدم نظام حَاكم في العَالم، غيرَ أنَّ الشَّعب وَاجَه النـِّظـَام واستفزَّهُ حَتى خَرَجَ من صَمتـُه وغيّر الدُّستـُور المَغربي كإستراتيجيَة لترويض الشَّعب وإقنـَاعِه بأنَّ تغيير الأورَاق كفيلٌ بتحقِيق مَطَالبه العَادِلـَة.

مَا لم ينتبه إليه كثيرُون أنَّ المَغرب شهد خُروجَ أطيَافٍ اجتمَاعيّة مُختلفة عَلى رَأسِهَا، (حَركـَة 20 فبرَاير) و(جمَاعة العَدل والإحسان) و(أتباع العَدالـَة والتنميَّة) إضَافـَة إلى السَّلفـيِّين..إلخ، غيرَ أنَّ خُرُوجَ الأمَازيـغ بشعَارَاتِهم ومَطالبهم فِي شمَال المَغرب كمَا فِي جَنوبه، قلمَا تنـَاولهُ الإعلام والمُحَللين السِّيَاسيين بل وقوبل بشـَتى أنوَاع القمْع والإكرَاه والشـَّيطنـَة..

أعتقِدُ جازمًا بأنَّ الرَّبيع العَربـِي أخفقَ في المَغرب ولن ينجحَ مَرَّة أخرَى لأنَّ جُلَّ الدُّول التِي صَدَّرت الثورَات العربيّة خُربَت وهُدِّمَت، بيدَ أنهُ أمَام رَبيع آخَر (رَبيع أمَازيغِـي) ومَا يَحدث الآن فِي بَعض المُدُن المَغربيَّة خَاصَّة فِي الشَّمَال لهُوَ شرَارَة خفيَّة مُتـَّقِدَة سَتشْتعِلُ شَيْئـًا فشيئـًا رَغم المُحاوَلات العَديدة لنسْفهَا وشيْطـَنـَتهَا وتكميم أفواهِ من يتزعمونهَا أو يَقـُودونهَا، مَوقفِي مِن الحَرَاك في مَدينـَة (الحُسيمَة) أننِي مَعَهُ وأسَانِدُهُ فِي كلِّ المُدن المَغربيَّة، شـَريطـَة أن يكون مبنيًّـا على السِّلميَّة التامَّة وأن يَضَع الوَطن وَوحدَة أبناءِه وأقـَالِيمِه فوقَ كل الاعتبَارَات. الشَّعب المَغربي عَانى مِن الدِّيكتـَاتـُوريّة المَقيتـَة وسيَاسَة التـَّجويع والتـَّفقِــير والظـُّلم والطغيَان أيَّام المَلك الرَّاحل الحسن الثاني، ومَا يَزَال يُعَانِي مِن دِيكتـَاتـُوريّة مُمَنهَجَةٍ ومُسَيَّسَةٍ أو بالأحرى (ديكتاتـُوريّة مُعَصْرَنـَة) والوَقتُ حانَ ليكسِرَ الشَّعب المَغربي أغلال الاستعبَاد والظـُّلم والقـَهر وليُحَاسِب كلَّ المُفسِدِين. 

المَغرب ليسَ هُوَ فقـَط مَن يُوَاجهُ هَذا (الرَّبيع الأمَازيغِي) بَل إنَّ الجزائر نفسَهَا في مَأزق كبـِير أمَام مَطَالب الأمَازيغ القبَائِليّين بإنشَاء جُمهُوريّة والانفصَال عَن دَولـَة الجَزَائر وهُوَ مَا يَدعمُه المَغرب بقوَة فِي حِين أنهُ يَحرمُهُم فِي المَغرب حَتـَّى مِن مَطـَالبهم المشرُوعَة، وقد تعَرَّض رَئيس حُكومَة القبَائِل الأمَازيغية (فرحات مهني) إلى مُضَايقـَات عَدِيدَة مِن قبل أجهزَة المُخَابرَات الجَزَائِريّة اضطرتـْهُ إلى طلب اللـُّجُوء السِّيَاسِي بفرنسَا، وهُنـَاك أيضًا مَن يتهمُ المُخـَابرَات الجَزَائريّة باغتيَال ابن فرحَات واعتقـَالِهَا لعَددٍ كبير مِن نشَطـَاء الحَرَاك الأمَازيغـِي بالجَزَائِر.

يُخطأ كلَّ الخَطأ مَن يَعتقدُ بأنَّ الدول المَغاربيّة وصَلت إلى بَرِّ الأمَان، وشَط ِّ السَّلام، الرَّبيع الأمَازيغِي حتمًا سَيعصِفُ ومَا لم تتعَامَل الدَّولة المَغربيَّة بحِكمَةٍ وتعَقل وبُعد نـَظر عَبر العَمَل على إرسَاء الديمقرَاطيَّـة الحَقِيقيَّـة وتفعِيل الحَكامَة الجَيّدة وربط المَسؤوليّة بالمُحاسَبَة وفصل السُّلط و ومُحَاكمَة المُفسِدين ولصُوص الدَّولـَة الأوفيَاء، وَوضع نهَايَة لمَنطِق العُنـف والإكرَاه والتمييز بين مُختلف مُكونـَات الشـَّعب الوَاحِد، وخلق فرَص للشغل للعاطلِين وإنعاش الاستثمَار فإنهَا فِي النهَايَة سَتتحَمَّلُ تبعَات هَذا الرَّبيع الأمَازيغِي عَاجلا ً أم آجلا.

 

رشيد العالم

 

 

 

 

في المثقف اليوم