أقلام حرة

ضجيج أهداف البارصا يعلوا وقائع تشكيل الحكومة !!

الإنسان كائنٌ مُنتمٍ بطبعه.. مجبول على الميل للأشياء، والتعلق بالأشخاص والتعصب للعادات والسلوكات... وهو محب ولوع بالتمييز والمفاضلة بين الأشياء، حريص على المماثلة وإظهار أوجه الخلاف بين كل ما يحيط به؛ وقد وجد الكثيرون في أندية كرة القدم ومدارسها، ثنائيات جديدة أضيفت إلى قائمة الثنائيات المعهودة، فمالت جماعة إلى هذا النادي دون غيره، وعشقت تلك مجموعة أخرى أندية غيره حد الجنون، وتعصبت فئة ثالثة إلى فرق كروية أخرى في تنافسية هستيرية تخرج في كثير من الأحيان، عن آداب الرياضة المحمودة إلى دائرة الشذوذ غير السوي الذي يجعلها ترتكب حماقات ربما تكلف الكثير..

ما ذكرت أعلاه كان مقدمة أحببت أن تكون مدخلا للخوض في ظاهرة التعصب الرياضي التي أخذت في السنوات الأخيرة حجما كبيرا في شوارعنا ومقاهينا وحتى داخل بيوتنا وبين أهلينا شيبنا وبين شبابا، ذكورنا وإناثنا ؛ الظاهرة الغريبة التي نقلت عدواى شغب ومنافسات مشجعي الفرق، م الملاعب الرياضي  إلى شوارعنا والمقاهي والبيوت، وجعلت أكثرية الشباب المغربي حتى صغار السن منهم، يتفرقون في حب الأندية الأجنبية وخاصة منها: "البارصا" نادي برشلونة، و"الريال" نادي مدريد، والذي يظهر جليا في الحماسة والتحيز السافر للفرق الأجنبية على حساب الوطنية، المتمثل في ارتداء الأقمصة والبدل والقبعات ومناديل العنق التي تحمل أرقام و أسماء مشاهير فرق الريال و البارصا ورموزهما الرياضية. حتى أن بعض المقاهي عُرفت بميول روادها للبارصا، وأخرى خصصت لأنصارالريال.

فهل يمكن اعتبار ما يحدث مع البارصا والريال، ظاهرة صحية، أم هي نوع من الإستيلاب؟؟ أم هي مجرد تعويض عن النقص وتعبير صريح عن الاستياء الرياضي؟ وكيف تمكنت هذه الأندية الأسبانية من تكوين قاعدة جد عريضة من الأنصار بين الشباب المغربي في الوقت الذي أصبحت فيه فرقنا وأنديتنا الوطنية لا تحرك سواكن وعواطف هؤلاء الشباب.

قبل الجواب ينبغي النظر إلى هذه الظاهرة بعين سوسيولوجي، لأن الأمر لا يتعلق بتشجيعات رياضية عادية ومعتادة، بل هو بحث مستمر عن فريق/ وطن من خارج الوطن، بانتماء و هوية مغايرتين للفرق الوطنية الوطنية، والذي يمكن تسميه بالحريك الرياضي نحو البارصا و الريال أو غيرها من الفرق الأخرى التي تقدم الفرجة والفرح، بدل الانتصار للبطولة الوطنية التي اصبحت لا تحرك في الجماهير الرياضية المغربية، وخصوصا الشباب أي تعاطف أو انتماء، كما نلاحظ ذلك بقوة في مدن الشمال، حيث نكتشف أن هجاسا بالانتماء إلى زمن/وطن آخر يقدم الفرجة التي تفرض هذا الانتماء و الهوية. و بما أن الوطن لا يقدم الحد الأدنى مما هو مطلوب منه، فإن الحريك الرياضي و العنف المضاد الذي يرافقه يظل جوابا محتملا لذلك السؤال ويشكل قلقا على  الهوية والانتماء الرياضيين.

على العموم وفي كل الأحوال فهو ظاهرة غير طبيعية لشباب فقد بوصلة الانتماء إلى هذا الوطن، و تعبير عن فراغ يشكوه الكيان المغربي، وهجرة للكساد الذي يعم الملاعب الوطنية، وتمرد على الواقع المأساوي الذي تعرفه الكرة المغربية بكل أنديتها، وهروب من قبح الواقع المتردي الذي تعيشه تتعرض له من إخفاقات متتالية ونتائج هزيلة ومستويات جد متواضعة. إنه تعبير وتمرد وهجرة وهروب من تراجع الرياضة عما عرفته في سنواتها الزاهية من انتصارات كانت تبعث روح التعاطف والانتماء للفريق الوطنية؛ وتجعل المغاربة يحبون نوادي أحيائهم وفرق مدنهم، ويشجعونها، فلا يقتصرون على حضور المقابلات المحلية الوطنية فقط. بل كانت الحصص التدريبية لفرق الأحياء، تعرف هي الأخرى الإقبال الجماهيري المنقطع النظير.

 طبعا هو إستيلاب ما في ذلك من شك، استيلاب وجد الشباب المغربي نفسه مرغما على الإنسياق معه، بعد أن ولى الزمان الجميل الذي كانت فيه الأندية الكروية تعيش التنافس الجميل من أجل الإبداع والتميز، قبل أن تطغى المصلحة الشخصية على المبادئ والقيم الكروية، تارك وراءه أندية فارغة من الروح الرياضية تقدم مباريات تفتقد إلى النكهة، وإلى الحماس، وإلى ابسط تقنيات كرة القدم. ما جعل الشباب المغربي يجد في الأندية الاسبانية ما يروي عطشه الكروي ريثما تتحسن الأوضاع الكروية في وطنه، وتعود الى الملاعب تلك الفرجة التي افتقدناها لعدة سنوات..فهل ستعود تلك المرحلة الرياضية ام اننا سنبقى غرباء عن أنديتنا الرياضية الوطنية، نستجدي الفرجة عند غيرنا من الفرق الأجنية ..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم