أقلام حرة

نداء إنسان الحضارة المُثلى

تسير البشرية نحو قمم التكامل في كثير من مستويات العيش فمن آلة المحراث اليدوية في العصور الحجرية الى آلة المحراث بِعجلة تجرها الحيوانات، والى عربة تحركها الطاقة في هذه العصور..

وهذا يعني ان الانسان أحسّ بضرورة البحث، وان يعثر على ما يوفر له الراحة من عناء الجهد عبر اختصار الوقت وبكلفة اقل، وهذا ما فجّر طاقات الانسان وجعله يدرك قيمة ما فيه من قابليات ومواهب تنبع من قوته الفكرية والروحية ..

فاتجه نحو الطبيعة يجرّ اذيالها اليه بقوة، فحيناً تذعن، وحينا يجدها عصية ومعقدة، وتارة يغلط في معاملتها فتكون مصدرا لتدميره ...

فبلغ القمم في كثير من مكتشفاته ومخترعاته الى درجة ان لو بُعث اجداده الغابرون وشاهدوا عجائب ما وصل اليه انسان اليوم من تطور مذهل في التكنولوجيا لقالوا هذا تسخير عجيب او سحرٌ غريب ..

لا يا مُدلل السماء !!

هذا ما بلغته انت عبر موجات عقلك الكامنة في اعماق سرك، وهو كتابك المكنون الذي كنت لا تجيد مطالعته او انك لم تكن تُدرك عظمة ما انت عليه ..

فنغمة الوجود التي كانت تزعجك ها هي الان تُطربك ..

بكاؤك منها جعلك اليوم ترقص معها ..

وهي لا تمانع ان تأخذك الى ما لا نهاية بالنسبة لك حيثُ سِعة ملكوت الخالق وجمال الابداع وهيبة الاتساع ورهبة المجهول، في عبور اقطار السموات لِتكتشف مجرات وافلاك لم ينالها خيالك او تخطر على بالك ...

هو سرك الذي تفوقت به على الملائكة فكنت قبلتهم !

وهو جنونك في الفضول الذي اوقع بك في مصيدة الشيطان، لتنزل الى دنيا العناء..

وتقف بحجمك الصغير امام هذا الكون العملاق لتسخره بحديده وصخوره ونيرانه وبحاره ....

هو ذلك الفيض المباشر من الذي علمك مالم تكن تعلم !!

وهو ذلك الإذن بأن تسكن انت وزوجك في عالمك الأمثل،

وهو ذلك التحذير بأن تكبح جماحك امام غامض عالمك ..

وهو ذا الشعور الذي جعلك تعيش الم الندم على عالمك الذي أُهبطت منه ...

لتبدأ رحلتك بالعودة اليه عبر الهادي الرحيم الذي لم يرفع عنك يد العناية مهما صدر منك من تجاهل لإرشاداته ..

انتبه لإشارة ذلك الواصل لتلك الحضارة المُثلى !

انه يناديك عبر اشراقات الفكر،ونور المعرفة ..

لتحث السير اليه ..

هو يقف على قمة الحضارة الانسانية من مستقبلها

... ينظر من عبر وسائله الينا، فنحن بالنسبة له في الحضيض بل في وادي الشقاء وعناء الصراع على سراب الدنيا !

من يدري ماذا سيكون ردُّ فعلنا حينما نُعاين تلك الحضارة الرهيبة !!

هل سنعوم في " فنتازيا "(1) تسيطر على مخيلاتنا ؟

ونرضخ لجدلية المستحيل أمام ما نحسبه واقعا ؟!

ام سنفسر تلك الغرائب المذهلة بالأساطير او اللامعقول ؟

او نُحمِّلها إسقاطاتنا العقائدية على انها حضارة ملائكية لا صلة لها بالبشر !!؟؟

فإذا كان يخطر ببال الانسان القديم لِما يشاهده من حضارتنا على انه سحر وعفاريات ...

فنحن ربما ارتقى تفسيرنا لِلحضارة المُثلى بأنها مشاريع ملائكية عملاقة !!!!

نعم ان انسان تلك الحضارة ينادي هَلُمّ اليّ عبر معارج الاسلام التي هي هبة الله لكم لترتقوا من خلالها الى ما سيجعلكم بِقدرات وطاقات الملائكة بل ربما أشدُّ وأرفع !!

فان ما انتم عليه من تطور في أبعادكم المادية، و ما عندكم من قرآن كريم يعتبر ارقى منهج في البُعد الروحي فكليهما جناحي بُراق رحلتكم الى حضارتكم المُثلى .

فحرروا افكاركم من أنانية الاستيلاء والتسلط والصراع على عناصر التراب فما هو أمامكم من المسؤوليات الرفيعة يجعلكم تنظرون الى نفائس الارض على انها خسائس ورغبات حقيرة

وفكّروا ان ما حولكم من كواكب ومجرات تسبح في ظلام الكون الفسيح هي مشاريع تستحق ان تُهَيءْ و تُعَمَّر لإنشاء حضارات بشرية وغير بشرية عليها فتُسَيّروا جبالها او تقطّعوا ارضها او تكلموا امواتها بهذا القرآن العظيم !!

الذي أحييتم الفاظه وهجرتم معناه !!!

اصغوا لذلك الانسان في حضارة المستقبل ...

انه يناديكم لتعملوا بجدٍّ بتعاليم الاسلام الاصيل عبر مصدره الحق وتنتفعوا بهذا التطور المادي لكي تصوبوا انظاركم لمهمتكم العظمى في الوجود ...

 

حسن عبد الهادي اللامي

................................

(1) الفنتازيا: هي تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة...

 

 

حسن عبد الهادي اللامي

في المثقف اليوم