أقلام حرة

الإستهلاكية الفكرية!!

الغرب ينطر للعرب على أنهم مجتمعات مستهلكة، فالذي لا يصنع يستهلك ما يُصنع، ومَن لا يبدع يعيش عالة على الإبداع.

هذه حقائق مصيرية تقف شاهدا على العجز العربي الشامل، فلا يوجد عجز مختصر على جانب دون غيره، لأن العجز ظاهرة حضارية كاملة، فالشخص العاجز لا يمكنه أن يأتي بشيئ ذي قيمة ومعنى ودور، ومثلما يتحقق العحز في الأفراد فأنه يتحقق في الجماعات والشعوب والأمم.

فالأمة التي عجزت أن تطعم نفسها وتصنع حاجاتها الأساسية التي تعاصر بها، إنما هي بلا قدرة على إنتاج فكر، لأن الفكر أساس إنتاج كل شيئ في الأمة.

والشعوب التي لا تقدر على إنتاج فكر تفشل في جميع ميادين الإنتاج الحضاري، لأن الفكر هو طاقة الإنتاج وإرادة الصيرورة والإقتدار.

وبما أننا أمة تستهلك أفكار الآخرين فأننا نعبّر عن سلوك إستهلاكي في كافة الميادين الحياتية المعاصرة.

فماذا أنتجنا في القرن العشرين؟

ما هو الفكر العربي الأصيل الذي أسهم في إنطلاق القدرات وبناء الحياة؟

لو فتشنا في مسيرة أكثر من قرن، لا نجد إلا مواقف إستهلاكية، وشعارات مستوردة فشلنا في إدراك جوهرها وإطلاق محتواها القادر على صناعة القوة والتواصل والنماء.

فرواد النهضة العربية ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وهم يمثلون أصداء فارغة لمنتجات فكرية أجنبية، لم يتمكنوا من تجسيد نسبة ضئيلة منها بإيجابية في الواقع العربي، وإنما إنطلقوا بأساليب المبهورين المندهشين والمصدومين بما وصلت إليه الحضارات الأخرى، وما آلت إليه حضارتهم، وما هم فيه من الضلال والبهتان وسوء الرؤى والتقدير.

فالعرب لم يقدموا فكرا أصيلا مؤهلا لبناء دولتهم وقوتهم المعاصرة، وبسبب فقدان قدرات الإنتاج الفكري النابت في تربة الوعي الجمعي، فأن الحال يتداعى والمآل في غيبوبة سقرية الطباع والملامح.

ولا يوجد مفكر عربي واحد إلا وإستند على الآخرين الأجانب في الرأي والنظر، وكأنه يشعر بالنقص والضعف وعليه أن يعتمد على غيره لكي يبدو مصيبا وصحيحا، وما هو إلا غارق في الخطأ والإنحراف والتشويه، لأنه لا يقرأ الواقع العربي بعيونه وبصيرته وإنما بعيون الآخرين وبصائرهم.

وهذا الأسلوب الذي إنتهجه المفكرون العرب قد أسهم في صياغة آليات التداعيات والخسران، وأدخل الأمة في ناعور يدور ولا يتعب من الإسقاط والتنكيل والتضئيل والتدمير المروّع، الذي نعيش أوج ويلاته وصيروراته المتوحشة الغاشمة، التي تؤسس لسلوك الإنتحار الحضاري العربي المحّاق.

 

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم