أقلام حرة

المثقف حين يتحول إلى انتهازي

لماذا تثور ثائرة مثقفي الشمال عندما يتطرق الحديث عن الجنوب واستعادة دولته؟ لماذا مثقف كالرويشان يتلفظ بهذه الألفاظ في وقت كهذا فيقول "إلا الوحدة !سنقاتل عن أحلامنا ومستقبل أجيالنا" ولماذا لم يضع اعتبار لتضحيات الجنوبيين في مواجهة قتلة شعبه والظلم الذي حاق بهم من النظام الشمالي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية بسبب وحدويتهم؟ أين حميتنا  التي تضل تراوح أمام الباطل؟ .

يخرج الذين يظهرون أتزان وحنكة سياسية مع أول سؤال يوجه لهم أو تصريح عن حق دولة الجنوب التي توحدت مع الشمال وفق ألية سياسية وعقد شراكة العام 90م يخرجون عن جلباب الدبلوماسية الى ضحالة سمق القبيلة التي تخلت عن عاداتها العربية الاصيلة إلى تفيد حق الغير وغزو ما جاورها اين كان وأن كان ذا قرابة أو عقد من رعاية حق الجوار .

الرويشان بتصريحه عن قتال الجنوبيين وتعميد الوحدة بالدم لأجل مستقبل اجيال الشمال يمثل رغبة ونزعة تسلطية شيطانية لازالت مدفونة رغم جفاف السنيين التي لم تأثر في تلك العقدة التي ترى في الجنوب حاضرة للغزو والفيد والاستباحة والتعامل مع الشعب الجنوبي  بمنطق التكبر والاستعلاء والحقارة كشعب لا هوية له ولا أجيال تعيش فيه وتناضل من أجل ضمان مستقبلها .

بعد عقدين ونيف من زمن الوحدة وما خلفته من فاجعة، تصدر نخب الشمال اليمني هذه الاوبئة التي تجسد رواسب التسلط الكهنوتي الحاكم للشمال منذ مئات السنين وتغفل عن الاوضاع التي عاشها الجنوب من قتل وضيم وقهر تسببت بها الوحدة التي ناضل وأجياله لأجلها منذ فجر الاستقلال عام 67م وقبل وهي الان السبب في تفخيخ الشمال وتحوله إلى شيع متناحرة وربما أكثر من ذلك .

للتذكير فأن الوحدة التي حلم بها الشعبين وئدها قبل ان تتحقق التفكير التسلطي ونهج الاستقواء والغزو للاستئثار بالوفرة الوافرة من ثروات الجنوب وتصوير النخب الشمالية الشمال فقير من كل الخيرات وهذا ليس صحيح وهي حقيقة لفت أليها السيد البخيتي أضافة الى حقيقيه فك الارتباط وعودة الوحدة الحقيقية بين الشعبين والذي يفترض أن تعمل لأجلها كل المثقفين في الشمال والجنوب، ولنا في الوحدة الخليجية خير ما يجسد تعاضد الانسان إلى جنب أخيه الانسان .

الشمال يزخر بإمكانات كبيرة تغاضت عنها أنظمته المتجبرة اللاهثة وراء الثراء الفاحش والسريع على حساب السواد الأعظم المنتج والمكافح من أبناء الوطن وهي الثروة الحقيقية الى جانب ما تهيئه الطبيعة الخلابة من أمكانيات للاستثمار الزراعي والسياحي فالشمال كل شبر من أراضيه صالحة للزراعة وتنتج أجود انواع الفواكه والحبوب بخلاف الجنوب التي تغطي الصحاري أكثر من 70%من مساحته بحيث أن كلفة استصلاحها كبيرة .

العتب كل العتب على تلك التعبئة النفعية قصيرة النظر والحقد الايدلوجي الذي غرس لعهود من الزمن لدى جميع تكوينات المجتمع الشمالي بكل شرائحه وليس مثقفوه فحسب الذين لاحول لهم ولاقوه تتحكم بهم القوى النافذة وأرباب المصالح .

هذه التعبية ليست ولادة عهد الوحدة أو الثورة التي لم تكمل أهدافها وإنما تتعدى عشرات السنين أبتدأ بالتغطرس المذهبي التي صورت الشمال الزيدي الناقم على الجنوب الشافعي ومن ثم الجنوب الماركسي وأخرها الجنوب الانفصالي وحاليا جنوب داعشي على انفصالي .

ليس الرويشان وحده من أباح دماء الجنوبيين في هذا الوقت العصيب فهناك الالاف ينظرون إلى تقدم الجنوبيين مع قوات التحالف لقتال التحالف "الحوثي –صالح "الذي ينهش في أجساد الابرياء على أنه تقدم خبيث يراد منه أهداف خاصة بالجنوب ويجرون ماسي الماضي وربطه بحرب المناطق الوسطى التي يتهمون الجنوب بالوقوف خلفها ،كهذا وكل الحقائق تدل على النظام في الشمال كان من فجر المنازل وقتل رجال المناطق الوسطى وتامر عليهم بواسطة المصالحة الوطنية مطلع الثمانينات ثم تصفيتهم كحال الوحدة التي تمت على عجلة من امرها ليتم على أثرها تصفية اكثر من 150كادر قيادي من كوادر الجنوب وافضلية قيادة وكوادر الحزب المعارضة في هذه المناطق .

اذاً من قتل هؤلاء قديما وحديثا اليست الوحدة التي بنيت على دعائم الحقد والضغينة؟، من كان سبب في دورات العنف في الجنوب منذ فجر الاستقلال اليست الوحدة والتصفيات التي شهدها الشمال في السبعينات والثمانينات اليس ادعاء النظام بوحدوية الضحايا والشك بارتباطهم مع الجنوب؟.

لاحظ أن الجنوب شهد دورات عنف كما أسلفنا من داخل النظام الحاكم  حين كان ينقسم ايدلوجيا على نفسه ولم يشهد أن أتهم أو صفيت كوادر بسبب وحدويتها خارجه وهذا يوكد :

- ان الجنوب كان كلاً وحدوياً اظهر ذلك في ادائه وتوجهاته الفكرية والايدلوجية ومناهجه التربوية لقنت لجميع أجياله ولم تكن هناك فلسفة نحو الحقد والتعبئة المناطقية والمذهبية .

- تدخل الشمال تدخلا مباشر في شؤون الجنوب واستغلال تعاطف الجنوب مع الوحدة والقومية العربية لتفريخ صراعات عدائيه في أروقة الحكم وكذا مع دول الجوار منها  السعودية في المرتبة الأولى ويتبعها العراق ممثلا برئيسه صدام حسين الذي لعب دورا كبير بالتسريع بالوحدة وضم الجنوب الذي كانت تقلقه توجهاته التحررية ورفضه الاستعداء على دول الجوار وهذا ما أكدته حرب الخليج الأولى وغزو الكويت المقرب من الشعب الجنوبي .

- بخلاف الشمال الذي يلجا عند تعقد الصراعات بداخله إلى المهادنة والحفاظ على مصالح المتنفذين والنظام الحاكم بغض النظر عن مصالح الشعب فينقلب مع أول لحظة يتم تقديم الضمانات لبقائه في سدة الحكم أكان أمامي او جمهوري او خلافه هذا لا يهم .

ولنا في الانقلاب على  أهداف ثورة سبتمبر خير دليل  واجهاضها وتحول الحكم إلى أمامي مقلف بالثورة حين كانت صنعاء محاصرة "حصار السبعين "وادعاء ان السعودية تقف خلف الملكيين وتجيش لدخول صنعاء لحظتها عقد اتفاق السلام مع السعودية بحيث ترضى السعودية عن النظام الوليد مقابل تبعيته لها وكفالته ماديا وعسكريا واستمرت تدفع رواتب وهبات وحوافز للنظام وجيشه ومشايخ القبائل ،وتبني الصروح  وتشق الطرقات الى ان تدهورت العلاقة مع وفاة الشيخ والركيزة القبلية الاولى في اليمن  عبدالله بن حسين الاحمر الله يرحمه واندلاع ثورة الشباب التي كشفت زيف النظام واستخدامه اموال العرب لقتل العروبة في الشمال والجنوب.

بينما عاد ثوار الجنوب المشاركين بعد انتهاء الحصار خائري القوى تتضور بطونهم جوعا وعطشا لا يمكون درهم ولا دينار من ثمن التسوية وضلوا في نظر السعودية والنظام اليمني في الشمال مصدرا للريبة والقلق .

 

بسّــــام فاضل

 

 

 

في المثقف اليوم