أقلام حرة

هل غادر الشعراء من متردم؟

ما تزال صرخة عنترة بن شداد مدوية، وكأني به ينادي في ضميرنا العربي الثقافي: أليس فيكم شاعر رشيد.

إلى أين يذهب الشعراء، لمن يتركون كل هذا المتردم، لماذا يذهبون ويأخذون معهم أغاني الحياة، والنساء الجميلات، يأخذون المدائح والزنابق وكل أجناس العصافير.

يأخذون الأطفال وطائراتهم الورقية، يأخذون آلات الطرب، وقصص الجواري وعشيقات السهر، إلى أين تأخذوا كل أسباب الفرح؟

لا تتركوا البلاد تكتب المراثي

لا تدعوا قبسا في السماء للمخابرات، يساومون دمنا بالقمح، ونساءنا بحليب العلب، اشهروا قصائدكم وأقلامكم، فجروا شرايينكم في ساحات البلاد، ما لا يأتي بالشعراء يأتي بالشعراء. احتلوا المآذن واصرخوا في الجوامع وفي كل الكنائس:

"سنصير شعباً

حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدّس،

كلما وجد الفقير عشاءه

سنصير شعباً

حين نشتم حاجب السلطان والسلطان،

دون محاكمة."

لا تتركوا البلاد تكتب المراثي

لا تهجروا الحانات، لا تغادروا بيوت الجلاس، لا تلبسوا ربطات العنق في المقاهي، اذهبوا إلى الأسواق بقبعاتكم، ومحافظكم الجلدية، لا تدخلوا مطاعم انجلترا في مدن الصفيح، لا تصدقوا إشهارات البيتزا، ولا القروض الصغرى، أنتم شعراء تشربون النبيذ الرخيص، وتكتبون عن الحب، اكتبوا شعركم عن الحسنوات اللائي تمتص الحياة شبابهن في الشقق الجاهزة، اكتبوا شعركم عن صانع الخزف، عن بائعات الماء في الحافلات، اركبوا الحافلات، لا تركبوا الطرامواي، فتلك عادة المترفين، أنتم شعراء، أنتم الطين الأول، رائحة القمح وخشخشة التبن في جوارب الفلاح، أنتم ملح الأشياء المُفتقدة، اكتبوا عن السماء الأولى المصابة بتعفنات الهواء، لا تكتبوا عن السماء البعيدة، سموا لنا الأشياء بدون استعارات، الحب هو الحب، الماء هو الماء، الله هو الله، الكورنيش هو الكورنيش، الرصاص هو الرصاص، الحرب هي الحرب.

لا تتركوا البلاد تكتب المراثي

عودوا إلينا، حتى ولو مهزومين، عودوا إلينا حتى لو بأمراضكم المزمنة، بربوكم، وسكركم، بتفويدكم، وكل أمراض المفاصيل، عودوا إلينا بأسنانكم المخربة، وبسجائركم الرخيصة، لكن عودوا لنا بقصائدكم أكثر، بتنبؤاتكم أكثر، بكلامكم الحكيم أيها الشعراء، أيها الأنبياء، عودوا إلينا حتى بدون بطاقات الانتماء للوزارة، حتى بدون تغطيتكم الصحية، عودوا إلينا نحن في كل متردم، نحن في دخول فحومل، لا تتركوا الديار  وتهاجروا.

لا تتركوا البلاد تكتب المراثي

"بلد يولد من قبر بلد

ولصوص يعبدون الله

 كي يعبدهم شعب

ملوك للأبد وعبيد للأبد"

سعيد غيدَّى صحافي مغربي حر