أقلام حرة

سلخ الأمة من عروبتها ودينها!!

الأمة عزيزة بعروبتها وإسلامها، لأنهما النبع الفياض المطلق لكينونتها المنيرة الساطعة في آفاق الأبدية وأكوان السرمدية الفيحاء.

فالأمة بلا عروبة ولا إسلام هباء منثور وعصف مأكول .

والدنيا تتحدث بلغة " العالم العربي" و"الدين الإسلامي"، وأبناء الأمة يتحدثون بمسميات وتوصيفات مشينة مهينة لا تليق بأمتهم البهية العلياء.

فالأجنبي  يسأل عن الهوية العربية أولا والدينية أولا، ولا يسأل عمّا دونهما، لأنه يعرف أن العربي عربي لو حل في أي بلد والمسلم مسلم وكفى.

ووفقا لهذه الرؤية يتم التعامل مع أبناء الأمة أينما حلوا ورحلوا.

توصيفان لا ثالث لهما، عربي ومسلم وحسب.

هذه الصفة يعرفها أبناء الدنيا بأحزابها وقاداتها وحكوماتها وإعلامها، ويجهلها وربما ينكرها أبناء الأمة وينسلخون منها، ويمنحون أنفسهم مسميات وتوصيفات تناهض حقيقتهم وتهين وجودهم، وتقدمهم للآخرين على أنهم جهلة واهنون واهمون مستضعفون، أذلاء وعندهم بواعث القوة والإقتدار الفائق.

فالعربي ينكر عروبته والمسلم يتبرأ من إسلامه، بل أن العربي يهزأ بعروبته ويعادي إسلامه، ويقدمه للآخرين على أنه غير ما هو عليه.

ومن المخجل والمخزي أن العربي يمتلك جميع الأدلة على أنه عربي في أنظار الآخرين وحكوماتهم لكنه يتصرف على أنه غير ذلك، ومثله المسلم العربي الذي صار يخجل من إسلامه ويرفع رايات المذهب ويفند لا إسلام إسلامه، فهو ليس بمسلم ولكنه من هذا المذهب أو ذاك في أنظار الآخرين، حتى لأصابتهم الحيرة، فلا العربي بعربي ولا المسلم بمسلم!!

إن هذا السلوك الإنقراضي يشترك فيه العرب المسلمون، فيضعون عروبتهم ودينهم على مهاوي الإنتهاء، فينعكس الموقف على ما يدور في واقعهم الأصلي والمهجري، ويؤسس لضياعات وإنهيارات أخلاقية وسلوكية.

ومن الواضح أن أهم أسباب هذا السلوك، ما عاناه ويعانية العربي من العربي والمسلم من المسلم، والأمثلة لا تحصى عن التنصل من العروبة والدين، ووجدتنا نعيش في زمن يعادي العربي فيه العروبة، والمسلم يغادر الدين ويعاديه بقوة.

في ما مضى تصادف أن عملت مع عدد من المسلمين من بلدان غير عربية، إثنان من نايجيريا، من عوائل مسلمة، وأبويهما من شيوخ الإسلام، أحدهما يريني صورة والديه وأخوانه وأخواته وكلهم في غاية الإسلام، فالعائلة معروفة بتضلعها بالمعارف الإسلامية، وقد غير دينه لكنه لا يعادي الإسلام، والآخر أبوه قد بنى جامعا في نايجيريا وهو من أعلام الإسلام، وقد أنكر الدين وعاداه.

وعملت مع إيراني لم أجد أشد منه عداءً للإسلام، مع أنه من عائلة مسلمة، لكنه لا يترك مجلسا أو لقاءً إلا وهاجم الدين بقوة إنفعالية عجيبة، فهو قد تربى إسلاميا ويعرف التأريخ الإسلامي والقرآن ويحفظ الأحاديث، لكنه وما أدراك حجم عدوانه ومقته للإسلام، وكان يشير إلى ما عانه من الويل والعذاب على يد المسلمين في سجون إيران!!

كنت أصغي لهذه الحالات وأحاول فهمها وتعليلها، لكني مهما إستحضرت من أسباب أجدني بعيدا عن جوهر العلة.

ومضت الأيام، وإذا بي أواجه أعداد كبيرة من العرب المسلمين الذين يعادون عروبتهم ودينهم، فالكثير من الجيل الذي عاش في مأزق ومصيبة المسلم يقتل المسلم على إسمه وهويته ومذهبه وغيرها من السلوكيات الشاذة المخزية، قد غادروا الإسلام وما عاد دينهم، وتنكروا له، وأدلتهم دامغة ومعززة بشواهد وخطايا وآثام، لا يمكن للنفس والعقل أن تستوعبانها.

هذه الظاهرة القاسية مستشرية ولا يمكن إغماض العيون عنها وتجاهلها، فالدين قد جعلناه عدو الدين، والعرب يمارسون سلوكا عدوانيا على العرب،  وما أصاب العرب بسبب العرب أولا وثانيا وعاشرا، وبعدها تأتي الأسباب الأخرى.

إن القيام بجرائم بشعة بإسم الدين، وإقران الله أكبر بأفظع الأعمال، فهذا يهوي بسلاحه على مسلم ينادي " أشهد أن لا إله إلا الله، ويقرن جريمته بصرخة "الله أكبر"، فهل يوجد أبشع وأنفر من هذا المشهد المروع، الذي تتداوله وسائل التواصل والإعلام، وكيف ستكون مشاعر وإنعكاسات ذلك على الآخرين، من الدين وغيره؟!!

هذه الإقرانات لها تداعياتها النفسية والسلوكية، وتأثيراتها الحضارية القاسية، التي ستساهم في متواليات إنهيارية ما عرفتها الأمة من قبل.

قد يقول قائل أن الإسلام قاتل الإسلام منذ البداية، بل أن العرب قاتلوا العرب قبل وأثناء وبعد الإسلام، هذا صحيح، لكن الإعلام ووسائل الإتصال لم تكن على هذا الإقتدار والحضور الآني والتواصل السريع، وما كانت الناس تشاهد، لكنها كانت تسمع عنه بعد حين، وهو ضمن سياقات عصره، وما يجري اليوم خارج العصر.

أي أن التأثيرات الناجمة عن السلوك الإجرامي بإسم الدين والعروبة، ستساهم بمتواليات هندسية متعاظمة ومشاركة في الإنقضاض على العروبة والدين.

فالبشرية اليوم محكومة بالإعلام وآراؤها بنت الإعلام ولا رأي حرّ، وإنما مزروع في الرؤوس والنفوس، وتلك معضلة العصر الذي تتفاقم فيه الصراعات وينتشر الخراب، ويتحول البشر إلى أرقام.

والأمم والشعوب تصنع حاضرها ومستقبلها، وتقرر مصيرها، ولا يمكن التصديق بقول أنها لا تستطيع ذلك، فالذي يجري لأية أمة أو شعب إنما من فعل أبنائهما، ولولا تفاعل الأبناء مع إرادة الأعداء، لا يمكن لأي عدوان أن يحقق مراميه ويصل إلى أهدافه.

وهذه قاعدة تصارعية معروفة منذ الأزل، فأول ما يقوم به المعتدي هو إستدراج بعض من أبناء المجتمع المستهدف والتغرير بهم وإستخدامهم لتقويض قدرات التحدي والمقاومة، ومن ثم يحقق الإجهاز عليهم وعلى مجتمعاتهم.

وهذا السلوك يتكرر في جميع الحقب والعصور والحروب، ولا يزال فاعلا ومؤثرا حتى اليوم، فالذي أصاب العرب بسبب تآزر العرب مع أعداء العرب، فالعرب تعاونوا مع أعدائهم ضد إخوانهم العرب وكرروا هذا السلوك مرارا.

ومن المعلوم أن نفط العرب ضد العرب، وما خدم غير أعداء العرب، وعزز قدراتهم الإقتصادية والعدوانية على العرب.

وتلك حقائق دامغة موجعة على العرب أن يمتلكوا الشجاعة لمواجهتها والإقرار بها، قبل أن يتلاوموا ويلقون بتبعات نواكبهم على غيرهم، الذين تتحقق مصالحهم بجهد العرب المنقطع النظير!!

وعاش العرب ضد العرب!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم