أقلام حرة

فقدان الشعب العراقي لقائد تاريخي منذ تاسيس دولته

emad aliربما يخالفني البعض في اشهار تيقني بانعدام القائد الملائم لقيادة العراق في مراحل تاريخه الطويل، وربما يفكر البعض منا ببعض من القادة الذين مروا بتاريخ العراق خلال فترات محددة من مسيرته، ولكنهم لم يتوصلوا الى مصافي القائد التاريخي الملائم المطلوب للقيادة السليمة في هذا البلد ذات الخصائص الشاذة والنادرة، وان كان بعضهم افضل من اقرانه . هذا صحيح، ولكنهم لم يكونوا ولم يصبحوا قادة تاريخيين محنكين، لانهم لم يفضوا اي مشكلة من مشاكله الرئيسية التاريخية بشكل جذري في اية مرحلة من حكمهم له، والحلول التي طرحت كانت مرحلية وقابلة للبروز والاتساع بين فترة واخرى وبشكل اكبر ايضا، سواء كان هذا نتيحة للظروف الموضوعية وما التزم به العراق دولة وقيادة من الشروط والالتزامات التي فرضها الاخرون الذين كان لهم الدور المفصلي والحاسم للسياست التي اتبعها العراق او في توجهاته ومسار سلطته خلال كل تلك العهود الماضية، وكان هناك اختلاف فردي في الايجابية والسلبية التي كان يتمتع بها كل من هؤلاء القادة من حيث المعرفة والاخلاق والمباديء العامة والخاصة به التي كان يؤمن بها، ومن ثم اسلوب ومنهج العمل والسلوك والعقيدة التي كانوا يحملونها، كل ذلك كان له دوره الخاص وتاثيره في بقاء القادة مرحليين فقط ودون ان يصلوا الى مستوى التاريخيين الذي احتاجه العراق، ولم يتمكنوا ان يضعوا بانفسهم لمسة خاصة لحل المشاكل التي لف بعنق العراق، ولم يتكمن احد منهم ان يعتقه بطريقته الخاصة من ما التصق به من السلاسل والاغلال بجميع انواعها، واصبح طوال تاريخه دون حراك وحرم البلد بشكل واخر من الحرية التامة .

الحنين الى الماضي الذي ليس بشرط ان يكون اجمل من الحاضر هو من صفات الانسان، ولكن لكل عصر ظروفه ومميزاته التي لا يمكن ان تشبه ما تنتقل اليه البقعة بين مرحلة واخرى . اي الارضية الثقافية والمعرفية للمجتع العراقي لم يبرز قائدا محنكا تاريخيا ومختلفا من كافة الجوانب عن غيره، بحيث يمكنه ان يفعل ما لم يفعله من سبقه او لحقه، وبه يمكن ان يقول بانه بلد فقد للقائد الضرورة التاريخية التي تطلبتها الظروف التي كان يتواجد فيها الشعب، ولم يد الشعب قائدا يمكن ان يكون له خصوصية ما يلائم بالمجتمع المؤمن بالقائد الكاريزما والقدوة التي فكر بها ولم يجدها في تاريخه الطويل، رغم بروز قوى تدعي المساواة والعدالة والاعتماد على الذات والعمل على اعتناق افكار وعقائد مثالية فرضت على عقلية المواطن مساحة معينة ومنعته من كسب المعرفة العامة، الا هي الايمان الذي فرض نفسه وهو الا تؤمن الا بالقائد الفرد المثالي الذي يمكنه حل كل الصعوبات والمشاكل بقدرته، ولم يتوفر مثل ذلك طوال تاريخه الطويل ومنذ تاسيسه .

ان اكثرية الدول التي تخلصت بشكل واخر من المشاكل المستعصية التي فرضت نفسها عليها، اما نتيجة انعطافة كبيرة في تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي او من خلال قائد محنك قدوة بارز ملم في كل ما كان تريده الدولة من نقلها الى مرحلة لاحقة من تاريخها وفرضت عليها ترك ما شابتها من الامور التي ابقتها على تخلفها، والعراق خارج هذه المعادلة لو تمعننا بشكل دقيق في تاريخه، وكان امام انظارنا من هو ذلك القائد وما تلك المواصفات التي يمكن ان تتواجد فيه ليكن قائدا محنكا ملائما تاريخيا يمكن ان نعده من هؤلاء العالميين الذين دفعوا بلادهم الى مراحل متقدمة خلال مرحلة معينة او بقفزة مرسومة من قبل عقل عبقري الا اننا للاسف افتقدناه . ان العراق كما هو هو منذ تاسيسه، وريما تخلل تاريخه وضع مغاير قليلا لما قبله او سهلة المراس الحياة فيه في مراحل معينة او صعبة جدا في مراحل اخرى نتيجة الظروف التي احاطت به واختلفت من مرحلة لاخرى، الا ان كافة مراحله كانت متقاربة بشكل كبير، عدا مرحلة الدكتاتورية البعثية التي اصبحت في قمة المراحل العجاف التي مر بها العراق في تاريخه ورغم اداعاء قائد هذه المرحلة بما فرضته عليه نرجسيته الا انه كان قئدا مرحليا يتصف بكل ما فرضته دائرة معينة من الشعب العراقي على تفكيره وعقليته وعقثدتها وسلوكه فقط .

المشاكل العديدة التي احاطت بحياة الناس بشكل عام، كانت دائما سياسية واقتصادية واجتماعية ولكل منها علاقة مباشرة مع البعض، الا ان الظروف السياسية هي التي كانت الغطاء الدائم للقضايا المتشابكة المعقدة الاخرى التي ابرزتها او كانت موجودة اصلا وتوارثتها المراحل المتتالية . لم يقيّم قائد واحد الوضع الخاص للعراق وما يجب ايجاده من العوامل لحل مشاكله بشكل قطعي وحاسم، وكل ما جاء وحكم كان عقليته اما مرحلية صغيرة تابعة لبقعة معينة دون العراق بمكوناته المختلفة وهذا يصعب ان يجد الحلول المنطقية لتلك المشاكل الكبرى، او كان مغرورا اراد ان يحكم الوطن العربي ولم يلتفت الى ما يهم بلده وهذا كان ممن يطفر على الاحداث واوقع نفسه فيها، ولم نجد من اراده العراق ان يكون قائدا عراقيا صرفا، وقد ولد من رحم الظروف والخائص المختلفة الخاصة التي تمتع بها العراق في مرحلته، ولم نجد من كان يفكر استراتيجيا او توجهاته فوق الخاص او المرحلة او الدائرة التي اثرت عليه فكريا وعقليا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، اي لم نجد قائدا خارج مرحلته ليتمكن من ايجاد الحلول الجذرية لمشاكله ويتمكن من استئصال ما قصم ظهر البلد طوال تاريخه من النواحي كافة، ولم نجده لحد اليوم . كل ما جاء اما كان عرقيا او مذهبيا او عقيديا او ايديولوجيا او حزبيا، او من لم يؤمن بشي الا بنرجسيته ، واليوم اصبحنا ضائعين بيد مجموعة وليس قائد واحد من المؤمنين بخط واحد دون ان تتسع خصوياتهم العقلية لمستوى عام يمكن الاعتماد عليهم في التوجه ولو خطوة لحل مشاكل الساعة فكيف بالمشاكل التاريخية المستعصية . انها مشكلة العراقين وبكافة مكوناتهم لحد الان .

الشعب العراقي موزائيكي التركيب ويتركب من مكونات مختلفة الشكل والجوهر في كافة النواحي، يتمتع بامكانيات اقتصادية هائلة وليس له من يمكنه تنظيمها، او هدرت نتيجة الظروف القاسية والحروب التي ابتلي بها، وفي الوقت نفسه، فيه اسباب كل الخلافات التي تتجدد على الدوام ولم تلقى حلا مقبولا من الذين اعتلوا الناصية وتخصهم المشكلة والتي يمكن ان يتسغلها اي متربص بالدولة العراقية بسهولة لبث الفتنة وعدم التوصل الى الامان في حياته . وعليه، الاسباب التي تجدد نفسها داخليا هي التي تمكن من التدخلات الخارجية على سير البلد، قبل العقول التي تفرض ارادتها من اجل مصالح خاصة خارجية ايضا قبل الداخلية. فان لم يشهد العراق العقل التاريخي العبقري المعتبر من تاريخ العراق والمقيّم العلمي الجيد لما هو عليه البلد، فلا يمكنه ان يصل الى حلول جذرية مقبولة، ولا هناك من الجهات التي تهمه المشاكل تلك وتكون لها القدرة فرض نفسها دون قائد وتتمكن من حلها، والا فان فرض الحل بقوة ليست الا مرحلية وتبرز مرة اخرى بعد مرحلة او فترة معينة فقط . والمشاكل هي عرقية دينية مذهبية فكرية ايديولوجية واجتماعية، مهما اختلف احد معي في اي جانب منها، وليس هناك طريق الا فتح الطلسم الذي تؤمن به العقلية المثالية التي تفرض نفسها على حكم العراق في هذه المرحلة المشؤومة .

اذن، فتجزئة المشاكل لسهولة السيطرة عليها والاستناد على العقلية المنفتحة العصرية الانسانية قبل اي فكر او عقيدة او ايديولوجيا، من يعتمدها يمكن ان يصبح العقل المثالي الذي ننتظره منذ تاسيس الدولة العراقية، وعلى الرغم من ما ياخذ هذا فترة معينة ويمكن ان تتدرج الحلول بشكل متتالي وسلس، الا ان هذا هو الممكن ان توفره العصارة الفكرية العامة والعقل الجمعي، وبتوفر مجموعة خيرة من القادة، والا نحن نفتقر الى عقل بارز انساني يتمتع بخصوصيات القائد العبقري النادر الذي يتطلبه وضع العراق وما توارثه خلال تاريخه المؤلم . فلننتظر، اما نجد او نتراوح ونعيد التاريخ عقود اخرى .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم