أقلام حرة

اوراق خريفية

ali mohamadalyousifلله اشكو ضعفي في محبتها    ان الذي تعبدين ادرى بحاليا

هذا كان آخر بيت شعر – أظنه غير موزون شعريا – كتبته في آخر قصيدة نثرية ارسلتها لها ولا اعلم كم هو البيت متناصا عن قصيدة لقيس ابن الملوح مطلعها:

ويجمع الله الشتيتين بعد ان*****ظنا كل الظن ان لا تلاقيا

حين اردت نشر مجموعة نصوص شعرية كنت طبعتها على نفقتي الخاصة بالموصل، على موقع الكتاب العربي الالكتروني (wwww.arabicebook .com). عدت إلى المجموعة، صمم لي احدهم الغلاف مجدداً، حاولت تخليص النصوص من الاخطاء اللغوية والمطبعية الكثيرة وضممت للمجموعة هذه القصيدة تحسبا ان مخطوطات كتبي الثلاث التي احتفظ بها سوف لن تر النور في حياتي. اقول في النص الشعري للقصيدة:

تعالي أميرة النساء تعاليا / تعالي أنظري / ما صنعت بي أيامّكِ تعاليا /تعالي أشهدي / جُرحي فيكِ ضممتهُ وسادةً / وسُهدي فيكِ أعيا لياليا / تعالي أميرة النساء انظري / ما فعلته بي همالة المآقيا / حبيّ / حزني / ألمي / تجرعته غصصا مرة / كنتِ انتِ فيه الآسر الجانيا / لغيري اضحى حبها نعمة / وعليّ دهري خط حرمانيا / لم اكن يوما بحبي لها ناقما / وزفرات قلبي اضحت دوائيا / عبدتها وعدت عابدا بها ولها /ولم اجد غيرها معبودا إلهيا .

لم انقل النص الذي كتبته كاملا بل اكتفيت بجزء منه لاني سأتناولها بالتعقيب الذي لا ادعي انه يرقى إلى مستوى النقد الادبي فهذا مالا ادعيه. النص عند الامعان الجيد في قراءته يظهر التفكك البنائي الواضح – قصيدة نثر زائدا ابيات نظم عمودي – فهي بالمعيار الأدبي النقدي فقيرة بامتلاكها مقومات البناء الفني العروضي. لكنها في كل المقاييس الجمالية، نص غنائي شعري ليس من السهولة شطبه، الشعر قبل ان يكون موهبة وصنعة يقوم على ثيمة أساسية هي (الانفعال الوجداني) الذي يعكس صدق التجربة الشعرية وبغير ذلك لا يبقى معنى لنصوص تنسب نفسها لخانة الشعر. هذا النص هو نتاج لحظات وجدانية شعورية مرت بي صادرة عن نفس ممزقة محترقة، كتبتها بانفعال شديد ووجد عاطفي صوفي مشبّع بالحرمان الشديد الوطأة على النفس انعكس هذا بشكل واضح وجلي في الخلط البنائي للنص مقاطع قصيدة نثرية مع ابيات عالية الغنائية الشعرية على النمط الكلاسيكي في نظم الشعر العمودي . طبيعي في المعيار النقدي الادبي لايمكن تمرير نص يقوم بناؤه الشعري الفني على مقاطع نثرية زائدا لها ابيات من النظم العمودي . مثل هذا الجمع غير محبذ ولا مستساغ. لكني ساعة كتابة النص كنت في وضع نفسي لم استطع السيطرة على دفق وانثيالات المفردات وتداعيات اللاشعور، فلم اكن مهتما بالصنعة ولا بالناحية الجمالية للنص. كنت انقل تجربتي فقط، وكنت قرأت في السبعينيات لشعراء عرب محدثين قصائد شعرية جمعت مثل هذا البناء الفني غير المعهود لقصائدهم على صفحات مجلة (الآداب) اللبنانية وهي قمّة في تبني الحداثة الشعرية ورائدة في مجال التجديد الشعري، فوجدت بعض الشعراء يكتب قصيدة تفعيلة (شعر حر) وفي ثناياها يضمن ويقتبس في ترصيع فني جمالي يعمق مضمون القصيدة، ابيات من الشعر الكلاسيكي الموروث عن العصور الجاهلية أو صدر الاسلام أو عصر الدولة الاموية أو العباسية في عصريها الاول والثاني. واذكر ان المفكر اليساري محمود امين العالم نشر قصيدة شعرية مطولة على صفحات مجلة الاداب اللبنانية مطلع السبعينات من القرن الماضي ، اطلق في تقديمها عنوانا (تجربة شعرية جديدة) فانهالت عليه سهام الاوصياء على الشعر بالاستهجان بما تكسرت الانصال على الانصال، ولم تسعفه منزلتة الثقافية الفكرية الفلسفية في درء بعض سهام التشفي والانتقام منه، فلم اقرأ بعدها للمفكر محمود العالم لاقصيدة تجربة جديدة، ولا نقدا يفضح فيه عيوب الشعر والادعياء من الشعراء وهم كثر.

ما يهمني ان هذا النص وغيره من النصوص الشعرية التي جمعتها في مجموعة تحت عنوان (توهج العشق.. احتضار الكلمات) لم تطبع لحد الآن، تمتاز بغنائية شعرية عالية تتعثر بانفعال وجداني ممزق بما يجبر القارئ المتلقي احترام قراءتها رغم مايشوب الكثير من النصوص من مباشرة تستخدم الدارج في اللغة وانسيابية في التقاط المعنى من دون جهد يبذله المتلقى وهذا من عيوب الشعر الحديث. كما قلت سابقا جوهر الشعر الحقيقي هو (الانفعال) زائدا له الصورة الشعرية الجديدة وهو لا يتأتى الا من منبع صدق التجربة الانفعالية. يوجد حاليا دواوين شعر عربي توزن مكتبات كاملة يمكن للناقد المختص وحتى المتلقي صاحب الذائقة الشعرية الناضجة ان يخرجوها بكل يسر وسهولة من خانة الشعر. الشعر الحقيقي ليس نظما موزونا مع تقفية.، كما هو الحال مثلا في (الفية ابن مالك) انك تجد الف البيت من الشعر مستوف لشروط النظم الموزون العمودي لكنه ليس بشعر، انه مجرد وزن ولا اكثر، ثلاث ابيات من الشعر الحقيقي لادونيس، وغيره العديدين من المبدعين تخرج عشرات الدواوين وتطردها من خانة الشعر الذي يعتمد النظم السردي الباهت السقيم الذي يفتقد الانفعال وصدق التجربة تليها الموهبة والصنعة الفنية الجمالية.

 

علي محمد اليوسف

 

في المثقف اليوم