أقلام حرة

الإسلامي والإسلامية ومناهج العدوانية!!

ربما يبدو الموضوع غريبا لأنه غير مطروق، لكن القراءة السلوكية الموضوعية للتأريخ، تشير إلى العديد من الأخطاء التي تأخذ الأجيال إلى مصائر قاسية، وتبرمجهم على آليات سلوكية ضارة بهم وبوجودهم، وتواصلهم المعبر عن جوهرهم ومنطلقات كينونتهم الإنسانية.

فالإسلامي والإسلامية يطغيان على الوعي والفكر والتصور والإقتراب من الحالة العاصفة في المجتمع العربي والمجتمعات التي فيها أغلبية تدين بالإسلام، وهذان المصطلحان يتواصلان بتأثيرهما وصياغة الحالة التفاعلية ما بين المجتمعات والبلدان.

فهل حقا هناك ما هو إسلامي وإسلامية؟!

يقولون بلد إسلامي وبلدان إسلامية، وحزب إسلامي وجماعات وفئات إسلامية، وغيرها العديد من المسميات التي تتوالد بسرعة عجيبة في زمن فائق الدوران والتجدد والإمتهان.

ويقولون ما يقولون ويدّعون ما يدّعون، والحقيقة، أن الإسلام لا يمكن إلصاقه بكل حالة، ذلك أنه للعالمين وليس لجماعة من الناس وإن كان الكتاب بلسان عربي، فهو رسالة قيمية أخلاقية ذات ضوابط تساهم في بناء الحياة الإنسانية الصالحة الرحيمة المباركة بآيات الرحمن الرحيم.

فما تدخل الإسلام بثقافات الأمم والشعوب، ولا فرض عليها أن تنسلخ من معتقدها وذاتها وموضوعها، وإنما توجه إلى القلب والروح والعقل والنفس، وترك مساحة مطلقة للحرية والتقدير والتدبر والتبصر والتأثير، ولهذا حافظت المجتمعات التي إعتنقت الإسلام على ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وشذبتها وفقا لوعيها ومعرفتها للدين، ولم يمحق الإسلام هويات الأمم والشعوب ويلغي موروثاتها الحضارية والمعرفية، ولهذا فالقول بثقافة إسلامية ربما فيه نوع من الضعف والقصور والإعتداء على الدين الرحيم، فالإسلام دين والدين له دور إنساني مطلق لا يمكن صبه في قوالب وخنقه في منعطفات وحفر وخنادق وتوظيفه لأسوأ الغايات.

ويبدو أن العرب والمسلمين جميعا قد تغافلوا عن التسمية وراحوا يصيبون الإسلام بالأذى والعدوان دون وعي وتبصر مبين.

والقول بالدولة الإسلامية أيضا مصطلح لا يمت بصلة للإسلام، فمنذ الهجرة إلى المدينة، لم ينطق أحد بمصطلح الدولة الإسلامية، وإنما برسالة الإسلام والدعوة إلى الدين الحنيف، فلا يوجد قول بالدولة الإسلامية في زمن الخلافة الراشدة، وإنما دولة الخلفاء الراشدين، وبعدها نشأت الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وما بينهم وفيهم وبعدهم من الدول، وكلها ذات طابع سياسي لكنها تدين بالإسلام وتدافع عنه وفقا لوعيها وإدراكها للدين،  لكنها لم تكن دول إسلامية بالمعنى الدقيق والصريح للمصطلح، بل كغيرها من الدول التي نشأت في الأرض، ومضت على عقائد وفلسفات للحكم.

فالإسلام إسم جوهر مطلق برسالته ومعانيه،  وليس صفة لموصوف، وفي القرآن الكريم لا يوجد غير كلمة "إسلام"!!

ومن المعروف أن البشرية ومنذ الأزل تتخذ من الأديان وسائل ومبررات للحكم، فدول بلاد الرافدين القديمة إتخذت من الدين وسيلة للحكم وكذلك دول مصر القديمة، وغيرها من حضارات الدنيا الغابرة، لكنها لا يمكن تسميتها بالدول الدينية، فالسومريون والأكديون والبابليون والآشوريون والفراعنة كانوا يحكمون بدين لكنهم جميعا لا يمكن القول بأن دولهم دول دينية، فبرغم كثرة المعابد والآلهة في زمنهم، لكنهم دول وإمبراطوريات كباقي الدول في الدنيا المتغيرة.

فالحكم البشري لا بد له من عقيدة تضبطه وفلسفة تهذبه، وإذا لم يكن هناك دين شائع يتم إختراع دين، لأن البشر لا يمكن ضبط سلوكه وحكمه إلا بدين يحقق الضبط الذاتي والموضوعي للسلوك.

ولهذا فأن التعامل بهذين المصطلحين يشوهان الإسلام ويدمران جوهره ومعاني رسالته وأهدافه الإنسانية الواضحة، فعندما يتم ربط عادات وتقاليد مجتمع ما بالإسلام يتحقق الإعتداء على الإسلام، أو عندما يتحقق الربط ما بين المجرمين والإسلام يكون العدوان سافرا، فمن المعلوم أن الجريمة رافقت البشرية منذ البدء وأن الجريمة تتنامى مع تزايد أعداد البشر، وأن العصابات تنتشر في المجتمعات وتتحكم بالحياة في العديد من الدول المعاصرة القوية المتقدمة، التي ما إستطاعت القضاء على الجرائم والعصابات والسلوك المافيوي.

والعصابات تنتشر وتتألف في جميع المجتمعات، وعندما تنشأ عصابة في مجتمع يدين معظمه بالإسلام، لا يمكن القول بأن هذه العصابة أو الجماعة والفئة إسلامية، إنها عصابة إجرامية، وإلا لوجب القول على العصابات الكثيرة جدا في المجتمعات التي تدين بديانات أخرى بأن هذه العصابات منسوبة لدينها، وإن صح ذلك فأن من الواجب ربط المساجين بدينهم والقول بأن هذا المجرم مقرون بإسم دينه، وهذا لا يحصل لكنه يحصل فقط عندما يكون المجرم من دين الإسلام، فلماذا هذا الحال ومن الذي يساهم فيه؟!

يبدو أن الكثير من العرب المسلمين وغيرهم من المسلمين هم الذين يساهمون بنشر المصطلخات السلبية وربط الجريمة بالإسلام، في حين أن الجريمة جريمة ولا علاقة لها بأي دين، لكن هذا التوصيف يدفع إلى أسلمة السوء والشرور والمآثم، وتجعل من الدين دين إجرام وآثام، وفي الحقيقة أن المسلمين يقومون بدور خطير ضد الإسلام بترويجهم لهذه المُسميات والتوصيفات، وكأن الدنيا خالية من المجرمين ومن العصابات والمافيات وأن سبب كل ذلك هو الإسلام، ولهذا تجد المسلمين يقرون كما يقر الآخرون بالإرهاب الإسلامي والعدوان الإسلامي والإجرام الإسلامي والعصابة الإسلامية والمافيا الإسلامية والحرامي الإسلامي والقاتل الإسلامي والمتطرف الإسلامي، وما شئت من المسميات التي يروج لها المسلمون وهم في غفلة مما يفعلون.

بينما الواقع السلوكي البشري يؤكد وعبر العصور ومنذ الأزل أن البشر لديه نزعة للإجرام وفعل الشر، وأن جميع الأديان جاءت لتهذب سلوكه وردع النفس الأمارة بالسوء الفاعلة فيه والمقررة لسلوكياته السيئة.

فالأديان جميعها لا علاقة لها بالشرور والعدوان لكنها من الممكن أن تستخدم لتحقيق ذلك، أي أن المجرمين يمكنهم أن يتخذون من أي دين وسيلة لتبرير وتسويغ جرائمهم، وهذا لا يعني أن الجريمة عليها أن تقرن بذلك الدين.

لكن العرب خصوصا والمسلمين عموما يرتضون هذا الإقران ويهللون له ويبددون الجهود والطاقات والأموال للسعي وفقا لما يمليه ويقرره، وفي ذلك يحاربون وجودهم ودينهم، فعليهم أن يصححوا هذا الخطأ، وينظروا للجريمة بعيون القانون ويفصلونها عن أي الدين، فالمجرم يندفع نحو إجرامه بنوازع دفينة فيه، وعندما يمتلك ما يسوغ جريمته من تصورات ومنطلقات فأنه يندفع نحوها بقوة أكبر وببشاعة أخطر.

فلا علاقة للدين بأية جريمة أو صيرورة سلوكية منحرفة، وإلا يفقد الدين إسمه ورسالته، والذين يتخذون من الدين قناعا أو شعارا لتنفيذ جرائمهم إنما هم من أخطر المجرمين، وأنهم يعملون في عصابات، فلكل عصابة دستورها وقوانينها وضوابطها وقواعدها، وقد تتخذ العصابة من الدين شيئا من ذلك، فتختار من أي دين بعض المفاهيم التي تضمنها في دساتيرها وقوانينها وضوابطها السلوكية المُحكمة الخطيرة النتائج والتفاعلات.

فالحقيقة لا يوجد ما هو ديني إلا بما يتعلق بالمخلوق وخالقه وما يبدر منه من المحاولات الجادة للتعبير عن إنسانيته ورحمانيته في مكانه وزمانه، وكل ما هو شر وعدوان لا يمت بصلة لأي دين!!

فهل سيستيقظ المسلمون من هذه الغفلة ويتفكرون ويتعقلون ويبصرون بعين العقل واليقين؟!!

وهل سينتبهون إلى أن الإسلام قد ضاع ما بين الإسلامي والإسلامية؟!!

لنتساءل في زمن تختلط فيه المفاهيم عن قصد ودراية ذات مشاريع مظفرة بالويلات والتداعيات المتصاخبة!!

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم