أقلام حرة

تضيع الوطن في الخيانة والتدليس

abdulkalil alfalahخيانة الوطن آفة من الآفات وكارثة من الكوارث، هي  من نتائج فقدان المروءة ومن ليست له مروءة يمكن إن يبيع كل شيئ، ولا شفاعة لمرتكبيها مهما كانت منزلتهم ومهما كانت الاسباب التي دفعت لها فهي في خانة الغدر والنفاق، لم يكن الوطن يوماً فقط قطعة من الأرض وقابلة للمساومة أو للمراهنة؛ بل هي قطعة من الأرض المتجذّرة في أعماق كلّ حرٍّ ينتمي إليها ويعيش عليها ويأكل ممّا تنبته، ويتنفّس من هوائها، ويشرب ماءها،

 قد نختلف في أفكارنا ومصالحنا وقد نختلف مع قيادتنا ونمقتهم، ولكن مهما اختلفنا في أفكارنا أو عقائدنا أو مبادئنا، مهما ظلمَنَا بني أبينا، وقومنا، وأهل وطننا الواحد  فهذا أبدا لا يبرر لنا خيانة الوطن وقد يظلمنا من يسيرون شؤون بلادنا وأبناء جلدتنا، لكن الوطن لا يظلم أبنائه وما من عرف أو دين يبرر خيانته، ومرتكبها ستناله يد العدالة مهما اخفى هذا الجحود في يوم من الأيام وسيلحق العار بنفسه وبكل من حوله بنظرات الناس لهم  لينالوا الخسران والعار والخجل في الدنيا والاخرة، لاشك أن خيانة الوطن من أعظم الجنايات المحرمة على كل مواطن، وقد جلبت مثل هذه الخيانات من الويلات والمصائب التي لايمكن ان تحصى وتعد ومزقت بلدان وشعوب .

يقول الشريف قتادة أبو عزيز بن إدريس :

بلادي وأن هانت على عزيزة

ولو أنني أعرى بها وأجوعُ

ولى كف ضرغام أصول ببطشها

و أشرى بها بين الورى وأبيعُ

تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها

وفى بطنها للمجدبين ربيعُ

أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى

خلاصا لها؟ أني إذن لوضيعُ

خونة الوطن ترى عيونهم مشدودة إلى ثمن البيع والتأمر عليه والمتاجرة بارضه وشعبه،نعم  للأسف هناك من يرضون لأنفسهم بيع الضمير والشرف والتعاون مع أعداء الوطن والتاريخ ويتحركون بإشارتهم، وينفذون مخططاتهم الخبيثة لزعزعة الأمن، والاستقرار، وتفريق الكلمة بين أبناء الوطن الواحد، وإثارة الفوضى والقلاقل في البلاد الآمنة المطمئنة، والاعتداء على الأرواح، والأموال، والأعراض .المجموعات متى ما تمحورت حول كيفية توفير الكسب الشخصي الفاحش واللامشروع لها  ولحاشياتها، وعناصرها  المتنفذة؛ وما نجم عنه بالتالي من توسيع للهوة الطبقية في المجتمعات التي تحكمها، وسحق للطبقة الوسطى وتحويلها إلى طبقة فقيرة،  وجدت نفسها مع الأيام في الواقع يزداد فيه الفقراء فقرا والأغنياء غنى وثراءً .

 وهناك إجماع في كل دول العالم حول النظرة للخائن سواء كان مجرد جاسوس يقدم المعلومات الضارة بوطنه خدمة للعدو أو من يواكب العدو في احتلال البلد ويقدم له المعونة متجاهلاً أو متناسياً النظرة المستقبلية لهذا العدو إلى عميله الغير الموثوقة إذ لا أمل بمن يخون وطنه أن يكون مخلصاً لغيره، هو مأجور، بمقابل مادي غير شريف سقط من عالم الأخلاق فانها تزداد قبحاً وفجوراً حينما يكون الوطن الذي يسيء إليه المسيؤون هو العراق الذي ضرب أروع الأمثلة في العطاء  إلى ابناءه، والسعي في رقيهم وإسعادهم، حتى شهد بذلك كل عاقل ومنصف، فما أقبح جرم أولئك الذين يخونون إلى مثل هكذا بلد ترعرعوا في ربوعه، وأكلوا من خيراته، .الخيانة ليس لها إلا وجه واحد هو التنكر للوطنية والالتزام به وانحطاط أخلاقي يدفع بصاحبه إلى العمالة التي هي اقبح خيانة، إن خيانة الوطن جريمة كبيرة، ولكنها تزداد قبحاً في وقت الشدائد والمحن، حينما يتكالب المتكالبون لنشر الفتن والفوضى فيه، فيستغل خائن الوطن ذلك، وينضم إلى ركب المغرضين، ويصطف مع الحاقدين، ويتباهى بذلك جهاراً نهاراً، في وقت يتلاحم مجتمعه لصد الفتن، ويتراص أبناؤه لحماية وطنهم من الشرور والمحن، فما أقبح هذا الخائن الذي تفرد عن هذه الجموع الطيبة..

الخيانة يعظم جرمها وإثمها بعظم ما يترتب عليها من الضرر والأذى الذي يلحقه وهي جناية اكبر مما تتحمله النفس اي نفس كانت لان كل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن حيث لايمكن تبريره، وبائع الوطن ليس هو الخائن الوحيد بل هناك أوجه كثيرة لممتهني هذه الحرفة المنبوذة منها : سرقة المال العام،ترسيخ مفهوم  القبلية،التأمر على الوطن،إفشاء الأسرار العامة،عدم أداء الواجب كالخدمة الوطنية، العمالة والتجسس،التقصير في العمل وإهمال الممتلكات العامة، وبالتهميش ووأد العقول المبدعة، بعدم احتضان إبداعاتها واختراعاتها، ودفن إبداعها أو اختراعها في سلة المهملات أو أدراج النسيان . وكل ما من شأنه أن يمس بوحدة وامن الوطن ... إفراغ الشباب وتجريدهم من المبادئ والقيم الأخلاقية الرفيعة، و دفعهم نحو الانحطاط السلوكي والقيمي، والسعي لتحويلهم إلى فئة هامشية بهيمية، لا هم لها سوى أتباع نزواتها وإشباع غرائزها الجنسية، بشتى الأساليب والطرق غير المشروعة، عبر نشر شبكات الدعارة وإثارة الغرائز الشهوانية  بالأفلام والفيديوهات الإباحية التي أصبحت في المتناول، كأشرطة مهربة تهريبا منظماً، أو في مواقع الشبكة العنكبوتية ؛ ومتى ما تحول الجنس إلى هدف وغاية عند أي إنسان، يصبح تفكيره تلقائياً منحصرا في نصفه السفلي من جسده، ولن يكون لنصفه العلوي أي نصيب من الحصافة أو الفكر والتأمل في أي جانب من جوانب الحياة . وتصفو الساحة لقوى التآمر لتنفيذ خططها في البلاد دون خوف من حسيب أو رقيب .

العمل مما يجعل الوطن يعيش المآسي والمعاناة من خيانتهم في الغش والتدليس وسرقة ألاموال المخصصة للمشاريع التنموية واستغلال الممتلكات العامة والتصرف بها والتجويع والترويع والحجر الفكري، إن حب الوطن من الأمور الفطرية، لابل جزء من الايمان يقول رسولنا الكريم ص (حب الوطن من الايمان)، فليس غريبا ان يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه وشب على ثراه . وترعرع بين جنباته لكن الغريب والضال والغير صالح يقبل خيانته، يذهب كل شيء ويبقى الوطن، ما بقيت السماوات والأرض، ومهما كان عذرك للخيانة، فــلا عاذر لمن خان، يقول جمال الدين الأفغاني "خائن الوطن، نعني به من يبيع بلاده بثمن بخس بل خائن الوطن من يكون سببا في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن بل من يدع قدمي العدو تستقر على تراب الوطن وهو قادر على زلزلتها، فهو خائن، وفي أي لباس ظهر وعلى أي وجه انقلب ". والوطن لا ينسى من غدر به وخان  "سراً أو علناً" فالخيانة تبقى خيانة، ووجه قبيح لا يُجمله شيء، لقد أجمعت الامم على اختلاف عقائدها ومشاربها وتوجهاتها على مقت الخائن لوطنه، فكل فعل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن فإنه لا يمكن ان يكون له اي مبرر ولا يوجد اي منطق او تبرير يدفع بأي شخص الى هذا الفعل المشين إلا ان يكون نتاجا ً شيطانيا غرته نفسه ليهوي بها في مهاوي الردى،

 

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في المثقف اليوم