أقلام حرة

عوامل اختيارهذا الوقت من قبل تركيا لقصف سنجار

emad aliفي صباح يوم الثلاثاء المصادف 25\4\2017، اغارت الطائرات التركية على قوات البيشمركَة والكَريلا في سنجار في مغامرة وتهور كبير يضاف الى افعال ومغامرات اردوغان مرة اخرى . انه اختار وقت تنفيذ العملية بدقة وبعد احراجه  كثيرا جراء  تلقيه الضربات السياسية المتتالية في بلده وسوريا والعراق واقليم كوردستان ايضا وباشكال وطرق مختلفة .

لقد نوت تركيا تحقيق مجموعة من الاهداف المتنوعة سياسيا من خلال تنفيذها لعمليات درع الفرات ودخولها بشكل مباشر في شمال سوريا وكوردستان الغربية تمهيدا لضرب قوات حماية الشعب وتصفيتها بحجة محاربة داعش، وكلفتها تلك المغامرة كثيرا، ماديا ومعنويا بعد ان تؤكد لنا كل المؤشرات على ان امركيا  هي وبسياساتها الثعلبية جرتها الى ذلك لاهداف كثيرة واقنعتها في ذلك على امل ما يفيدها من نجاحها في شمال سوريا ستراتيجيا، الا انها على الرغم مما كلفتها فانها فشلت في النهاية واعلنت بشكل رسمي ومفاجيء وبعد ان تفهم الوضع وما وراء مواقف امريكا وسوريا، اعلنت عن وقف تلك العملية متراجعة خائبة دون تحقيق ولو نسبة قليلة جدا مما جاءت من اجله، نتيجة ما لاقته من الطرق المغلقة والابواب الموسدة في وجهها  شرقا وغربا وجنوبا، وتصادمت قواتها مع قوات القوى الكبرى بدلا مما كانت تتوقعه من تصام مع قوات سوريا الديموقراطية التي اعتبرتها سهلة المنال ويمكن القضاء عليها.

ومن جانب اخر ارادت تركيا في الاشهر الستة الماضية  ان تتقدم في سنجار بقواتها وبمساعدة حليفها الحزب الديموقراطي الكوردستاني بهدف اخراج الكَريلا من منطقة سنجار والجبال المحيطة بها، الا ان تحرك امريكا ومواقف دول المنطقة مع العراق وضعت حديدا صلدا في عجلتها ولم تتقدم في مسارها بسهولة، والتي ارادت احتلال تلك المنطقة الستراتيجية الهامة عراقيا واقليميا وحتى عالميا . واضاف هذا خيبة اخرى لسجل خيباتها وتراجعت عن نواياها مضطرا بعد مراجعتها للحسابات التي كانت لغير صالحها .

اما من من جانب موقف الاتحاد الاوربي ووضع الدولة التركية تحت طائل المراقبة، مما يضرب هذا القرار في العمق التركي من الجوانب السياسية والاقتصادية، فانه دفع اردوغان التعجيل في خطواته ولم يتوقع  هذه الظروف وما حل بالمنطقة من التحالفات والتنسيقات التي لم تكن لصالحه قبل ما تقوم بالتحركات وتغيير المسارات، وكل ما حاول واصر عليه هو ما يمكنه من البقاء على ما تبقى عليه من ابقاء شعرة المعاوية بينه وبين الاتحاد الاوربي من اجل تحقيق حلمه البعيد المنال .

اما داخليا وما يخض الشعب التركي،  بعد عملية الاستفتاء ونجاحه فيها بسعر الخسارة، نتيجة انخفاض نسبة المؤيدين له خارج توقعاته وبعد كشف الكثير من التزييف والتزوير في بطاقات الاستفتاء من جهة، وخسارته في المدن الكبيرة التي اعتبرها معقلا له طوال حياته السياسية، اصبح اردوغان كالذئب الجارح يريد ان ينتقم باي شكل دون حسابات دقيقة جدا . لقد انقسم الشعب التركي بشكل خطير على الجبهتين وهذا ما يؤدي الى كوارث سياسية كبيرة له مستقبلا . وعليه يعيد اليوم كرته من جيدي بعدما توقف عن الانتقامات لمن عارضه وما استهل به ابان الانقلاب المشكوك فيه من ملاحقة من يعارضه بتهمة الانتماء لتنظيم فتح الله غولن والحزب العمال الكوردستاني كتهمة معلبة حاضرة لمن يعتقد انه يسبب له احراجا وتضايقا في خطواته وتحقيق اهدافه . وايضا بدا بتنفيذ القصف الجوي في اقليم كوردستان لجبال قندي التي توجد فيها قوات الكَريلا التابع لحزب العمال الكوردستاني كرد فعل طبيعي لما لاقاه من الفشل والخيبات غير المتوقعة له وما دفعه غروره على التهور والاقدام على ما لم يكن متوقعا منه واصطدم بجدار حديد صلد .

بعد كل هذه التضايقات وحصر اردوغان في زاوية ضيقة وبعوامل داخلية وخارجية سواء كانت اقليمية او عالمية اضطر اخيرا للتحرك من اجل لفت النظر من جهة والخروج من المازق الداخلي من جهة اخرى، اضافة الى جس نبض القوى العالمية لما يمكن ان يقدم عليه هذا القائد النرجسي من المغامرات غير المحسوبة النتائج له . فاختار الوقت الذي اعتبره مناسبا للغوص في عملية جنونية ومتهورة وغير محسوبة النتائج، على الرغم من ادعاءه قيامه المشاورات التي اعلن بانه اجراها مع الدول المعنية والحزب الديموقراطي الكوردستاني المتحالف القريب والاول له بعد التخبطات التي ابعدت العديد عن سلم الصداقات المعترفة بها من المؤثرين في العالم دولا وقيادات وفي مقدمتهم امريكا . والدليل على عدم دقة تنفيذ مخططاته العسكرية هو قتله سواء كان خطاً او مقصودا لعدد من افراد قوات البيشمركَة التابعة للحزب الديموقراطي الكوردستاني المتحالف معه في جبل سنجار .

اما اختيار سنجار باعتبارها ضرورة استراتيجية اقليميا وعالميا، فان اردوغان كان يهدف بها عدة نقاط رئيسية ومنها تهمه داخليا؛ بداية هو ترضية للحزب القومي المتطرف المتحالف معه في الاستفتاء، والمعلوم عن هذا الحزب القومي المتعصب بالمواقف المبتذلة والرجعية . وخارجيا وهي تهم ايران واهدافها والمنطقة التي تعتبر ممرا سياسيا تجاريا لبناء الهلال الشيعي واستكماله من اجل تحقيق الاهداف الستراتيجية البعيدة المدى من جهة والتبادل الاقتصادي بين الدول الثلاث العراق وايران وسوريا من جهة اخرى . ومن جانب اخر، يمكن ان يقصد اردوغان ويهدف من هذه العملية بشكل اخر وعلى اعتبار انه جزء من السباق الاقليمي ويبرز به دوره في الصراع الاقليمي القائم بمنحى مختلف الشكل في المراحل المتتالية لمسيرة المنطقة السياسية العسكرية  وان يقوي من دوره مستقبلا في هذا الاطار .

اما الاهم من كل ذلك، هو نية تركيا ارسال رسالة قوية من خلال هذه العملية الى امريكا بما تصادمت تحركاتهما على الارض في المنطقة وبالاخص في سوريا، وهي تريد ان تقول بانها يمكنها التحرك ولو بعيدا عن رضاها، وربما تعتقد رغما عنها، لكونها اختارت وفضلت قوات حماية الشعب في تحرير الرقة واستغنت عنها . وما يؤكد هذا الراي والتوجه هو تحركات تركيا على الحدود السورية الشمالية المحاذية لكوردستان الغربية مستفزة الوضع القائم دون ان تولي اهتمام بما هو الموجود على الارض من التنسيق القوي بين امريكا وتلك القوات الكوردية رغم انف تركيا .

و عليه فان تركيا ستقوم بحسابات عديدة وتبني مواقفها على ردود الافعال التي تتلقاها من هذه العملية الاستباقية المستفزة للعديد من الاطراف، وان نجحت دون عقاب فهي تنوي ان تقوم بعملية كبرى  في جبال قنديل وربما بمساعدة الحزب الديموقراطي الكوردستان او بتحفظه وسكوته .

و هذا كله يدعنا ان نعتبر الوقت الذي اختارته تركيا لم يكن اعتباطيا وانما هدفت به الكثير وتنتظر ما تخرج بعد العملية من الافرازات والردود المنتظرة من الاطراف ذات الصلة وبه يمكن ان تجمع اوراقها وتسير وتبني الكثير من المواقف والتوجهات مستقبلا على ما يحصل عليه مابعد عمليتها التجريبية الهادفة سياسيا قبل ان تكون عسكريا  كي تفك معصميها من الاغلال الامريكي وحتى الروسي والاقليمي .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم