أقلام حرة

كيف يُدعم بناء الاطار العام للقوى اليسارية

emad aliلقد طرح الزميل رزگار عقراوی فكرة جمع القوى اليسارية بكافة مشاربهم المختلفة نسبيا ضمن اطار سياسي عام من اجل العمل المشترك وتحقيق الاهداف السياسية اليومية الضرورية على الاقل، كي لا تذهب الجهود الكبيرة المتفرقة المبذولة بشكل متجزء ومنفصل سدىً بين ما تقوم به وتفرضه القوى والجهات الاخرى المقابلة على ارض العراق .

انتظرت كثيرا كي المس ما توقعته من بروز ردود الافعال الكبيرة ازاء هذا الاقتراح المخلص النابع من الفكر والتوجه الى حد كبير الصادر من قبل من يدل نتاجاته وعقليته على عدم انحيازه او سعة نظرته الى اليسار دون التزام بتنظيم معين وفق ما اراه انا منه، وعلى الرغم من انه حر في انتماءاته واعتقاداته وفكره وفلسفته في الحياة، الى انني قدرته على الاقتراح الذي صدر منه بالذات دون اي احد اخر او من المنتمين حزبيا وايديولوجيا لجهات معينة، وكان هذا عاملا هاما للتقدم نحو الخطوة الاولى في العمل المشترك، كي لا يتخذ اي احد من صفات المقترح وانتماءاته حجة عليه، وفق الخلافات الكبيرة الموجودة اصلا بين القوى اليسارية التي ادت الى تشرذمهم لحد اليوم .

وعليه، انني واستنادا على ما طرحه الاخ رزگار، طرحت انا ايضا من خلال مقال باللغة الكوردية بناء اطار خاص لليساريين الكوردستانيين من اجل وضع اللبنة الاولى للتجمع من اجل العمل الكوردستاني المشترك للقوى التي لم تتفق على اي عمل سياسي مشترك على الاقل، وبعيدا علن التفاصيل الفكرية الفلسفية التي دائما تجلب الشيطان عند الغوص في ثناياها المتشعبة الواسعة .

رغم ان الجميع وبالاخص اليسار في العراق والكوردستاني على دراية بان العراق واقليم كوردستان على ما هو عليه من الازمات المتفاقمة على مفترق طرق وامام مرحلة مغايرة تماما لما نحن فيه الان، ويمكن ان يواجها تحديات لا مثيل لها في تاريخهما الحديث . والارضية او الواقع الموجود يدل على اننا امام النقلة الكبيرة فيهما، بعد الانتهاء من حرب داعش وما يهم المصالح العديدة المختلفة المتداخلة مع بعضها للقوى الكبرى والاقليمية التي لها التاثير البالغ على ما يقعا عليه في المرحلة القادمة، وربما لا نبالغ ان قلنا لن يكون ليد الشعب العراقي بكافة مكوناته وكذلك سلطتهما الذاتية اي ثقل للعمل على فرض ما يهمهما، ان بقت الاوضاع السياسية على ما هي عليه اليوم .

منذ مدة طويلة ونحن لم نلمس افكارا كبرى لتوجيه اية جهة باتجاه ما، من اجل المشاركة في تصليح الحال العراقية ومنها ما يهم القوى المتقاربة مع بعضها اصلا والمشتركة في اسسها العامة كما هو عليه اليسار المتعدد الاقطاب والنظيمات والتوجهات في العراق اليوم .

بعد موت الكثير من الافكارعبر التاريخ وجاء البديل ومات هو الاخر خلال العصور الماضية، الا ان اليسار في العراق وعلى الرغم من انه لم يجر اي تجديد حسب متطلبات المراحل المتتالية المختلفة وما احتاجت من الاشكال والجواهر العديدة لما حدث في المنطقة فيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي،الا انه قاوم لحد ما وامتنع عن الانصهار الكامل، واخص بالذكر هنا القوى اليسارية العراقية والمبالغة في تشتتهم من خلال تعدد القوى المختلفة التي تفرعت منه، وفي اكثرها نتيجة لخلافات فكرية او فلسفية بعيدة المدى، والتي يمكن ان يكون هناك اطار لاحتواء ما حصل من اجل عدم قطع حبل التواصل وبقاء القوة من وحدة المواقف التي يمكن ان تبرز ازاء احداث سياسية عامة لا صلة لها بالفكر والفلسفة على الاقل .

يمكن ان يبني اي احد او حزب او تيار فكره وفلسفته ونهجه وفق ما يراه حقا ومتوافقا مع الثوابت اليسارية التي يؤمن بها حقا، ولا يمكن ان تكون هناك ثوابت جامدة صحيحة متوافقة مع الواقع المتغير الدائم،حسب رايي، وحتى في عمق الفكر والفلسفة الماركسية اليسارية التي يؤمن بها الجميع يمكن ان تكون هناك متغيرات في جميع جوانبها .

ان ما طرحه الاخ رزگار، يمكن ان يكون الخطوة الاولى المطلوبة في هذه المرحلة، ليبين النجاح الممكن للخطوة الاولى لما يمكن ان لمحه في افق الطموحات الكبيرة لمن يؤمن باليسار بشكل عام واهميته ولمن يعتبر الحزب وسيلة لتحقيق ما يفيد الانسانية في نهاية المطاف . وعلى الاقل يمكن جمع القوى اليسارية امام الاخرين من الجهات الدينية المذهبية والليبرالية المستوردة مع الشوفينية المنافية للواقع العراقي وخصوصياته وما يتميز به، والذي من الممكن مصارعتهم . والنقطة الهامة التي يمكن لاي منا ان يلاحظها في العراق اليوم هو، عدم وجود الفكر الاصيل، او بعبارة اخرى، ما هو المعروض لا يرتقي الى الاكفار التي يمكن ان تؤدي في نهاية الامر الى دفع العراق نحو الانتقالة الكبيرة التي تحتاج الى افكار كبرى، وكل ماهو موجود هو فكر تكتيكي سياسي في جله ومتشعب الفروع هنا وهناك، ولا يتعامل الا مع الاحداث اليومية الصغيرة . ورحلة الميل من الانقاذ يمكن ان تبدا من هذا الاقتراح والمهمة، فيجب ان بندا العمل ولا ننتظر .

اما هنا، نحن لا ندعوا الى بناء افكار كبرى في هذه اللحظة الحاسمة التي لا يمكن ان ينجح فيه اي طرف وفي واقع كما هو الموجود وبعقلية والخلافات الراسخة بين المكونات والاديان والمذاهب التي علت شانها فيما هنا بعد سقوط العراق .

اما الدعوة في العراق وكوردستان ايضا، هو وضع اللبنة الاولى لبناء اطارعام بهدف التعامل مع ما يحدث اليوم من الناحية السياسية فقط وبتكتيكات فكرية صغيرة ايضا ولمدة معينة او لحين الخروج من ما نحن فيه، وبعده يمكن الاقدام على الاستراتيجيات الكبرى والنقاش والجدال المتواصا من اجل ولادة افكار استراتيجة مناسبة وبعيدة المدى وعميقة التاثير ومتلائمة جوهرا مع الموجود، وايضا يمكن تحديد الفلسفات المتلائمة والمتناسبة مع الواقع، او تكون طليعة لسحب الواقع المزري فكريا فلسفيا ورائها من اجل انقاذ العراق وكوردستان ايضا بايدي اليساريين في المدى الطويل جدا. وعليه، فان المطلب الضروري الاني هو جمع القوى بما هي عليه، او بما تحمل في اطار عام من اجل التعامل مع ما يجري في هذه المرحلة المتنقلة ومن ثم الانتقال الى التفاهمات العميقة من كافة النواحي . واقول للاسف انني لم اعتقد ان تكون القوى بهذه الرخاوة والاهمال لما طرح من قبل الاخ رزكَار في هذه المرحلة، وكنت قد اعتقدت ان كافة القوى تنتظر مثل هذا الامر ليلتقفه من اجل مصلحة الفقراء والمستضعفين على الاقل، وليس للتوافق الفكري والفلسفي في مثل هذه الظروف . وارجوا ان لا تفوتنا الفرصة، وعلى الاقل نبني ما يمكن ان لا نبقى في ذيل الاحداث او لا يسمح للاخرين مسحنا بشكل كامل في المرحلة المقبلة . و ما يمكنه ان يفتح الطريق امامنا الان هو ان نستغل الواقع العراقي والكوردستاني المزري من كافة الجوانب من اجل بيان صحة الفكر والتوجه السياسي الفكري والفلسفي اليساري ولنثبت جميعا وللجميع الاساس المتين لخدمة المسحوقين اولا ومن ثم انه لخير الشعوب والانسانية ايضا .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم