أقلام حرة

الباء القابضة والمقبوضة!!

"ألا ليت البرايا ذاتُ باءٍ  تعلمها أساليبَ التداني"

والمقصود بالباء هي المتصلة بكلمة "بشر"، فعندما تسقط الباء تتحول الكلمة إلى "شر" .

ويبدو أن هناك علاقة غير متوازنة ما بين حرفٍ وحرفين، أي أن إرادة القبض هي ثلث إرادة الإنفلات، ولهذا يكون الميل لفعل الشر أسهل وأعظم في مسيرة التفاعلات البشرية، ويمكن الإستدلال عليها بويلات الحروب والتصارعات القاسية، التي ما خلت منها الأرض ولو ليوم واحد.

وهذه الباء كأنها ترمز للخير والقيم الإنسانية النبيلة، ولكل قوة تسعى لردع الشرور ومنع إنتشارها ووأدها في مرابعها أو مواطنها.

وهي المُعبَّر عنها بالأفكار الصالحة والعقائد الطيبة والأديان بأنواعها ، لكنها وبلا إستثناء تقف عاجزة أحيانا عن مواجهة عواصف الشرور وأعاصيرها الفتاكة، التي تزعزع الوجود الأرضي وتدعو إلى الدمار والخراب وسفك الدماء.

أي أن هناك حرف واحد يكتم أنفاس الشر، وحرفان متكاتفان يسعيان لإطلاق المطمورات المختزنة في أعماق النفوس ودياجيرها الظلماء المتحندسة، المحتشدة بالعظايا والوحوش المتسابغة المتأهبة للإفتراس والهجوم الشديد.

وتجد البشرية في مآزق تصارعاتهما، وويلات تفاعلاتهما، وبين آليات الردع والإنفلات.

ومن الواضح أن القلة من البشر يمكنهم أن يتمسكوا بإرادة الباء وتقويتها ومدها بما يعينها على لجم جماح الشر والسوء، وهذا يكون باللجوء إلى التعاليم الإنسانية النبيلة والرسالات السماوية، التي تجتهد في تقوية قدرات الباء الردعية وتعزيز الطاقات الإنضباطية، ومهما حاول البشر أن يميل إلى جهة بائه فأن قوة الجذب نحو شره تتنامى من حوله، مما يساهم في زيادة الحشود الشرانية وتقليل وعزل الحشود البائية، التي تتضاءل وتقنط وتنزوي في قوقعة ذاتها، وتكون بلا حول ولا قوة على التأثير في واقع غمره طوفان الشرور.

وهذه الحالة تتكرر في الحياة الأرضية ولا يمكن للبشرية أن تنتصر عليها، وإنما تمضي على نهجها ما بين مدٍ وجزرٍ إلى ما شاء الله.

ولهذا نجد في القرآن الكريم القليل مقرورنا بالإيجابي والكثير مرتبطا بالسلبي، أي أن القليل من الناس  من معشر الباء والكثير منهم ربما من معشر الشر، وتلك محنة خلقية، وإرادة أرضية مطلوبة لإدامة التوازن وفقا لقوانين الدوران، وقدرات الجذب التي تحدد مصير المخلوقات الترابية، وتأخذها في دروب الأيام على سكةٍ ذات خطوط سرابية ومتاهات ضبابية، تتحكم بمفرداتها معادلات صيروراتية عصية على الإدراك والتبصر السَطوع!!

فهل لنا أن نعزز دريئة الباء التي فينا، ونواجه بها أجيج الشر الذي يعادينا؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم