أقلام حرة

الفتوى المُباركة والفرصة الأخيرة

nabil ahmadalamirكلنا يعرف أمريكا وكيف تتعامل مع الدول والشعوب، وكيف أن إداراتها وإجهزتها المختلفة والمتعددة تتعامل مع القضايا والمصالح القومية العليا للولايات المتحدة (كما يحلو لهم تسميتها) .. .

وكلنا يعلم كيف تبتز أمريكا الحكومات الشرقية والغربية في سبيل بقاء سطوتها وتحكّمها بالقرار الدولي كقطب أوحد .

وما صناعة القاعدة وداعش وغيرها من العصابات في كثير من دول العالم إلاّ ترجمة حقيقية لهذه السياسة .. حيث كان الدعم والإسناد والتسليح والمعلومة تتسخّر لنصرة أي عصابة في أي بلد ليكون تحت إمرة الإدارة الأمريكية التي لا تعلوا جهداً ان تكون مصالح اسرائيل دائماً حاضرة في كل الحسابات .. لكن خروج داعش عن الخط المرسوم لها نتيجة التمدد العشوائي للفكر المتطرّف وإنقلاب السحر على الساحر جعل أمريكا تلملم اوراقها في محاولة لتبييض صورتها أمام العالم .. فأعلنت عن التحالف الدولي لمحاربة داعش .

ونحن نرى انه قد تنطلي هذه اللعبة على بعض هواة السياسة او أغبياء الصدفة لكن الأمر واضح وجلي لكل عين وفكر سياسي ثاقب .. خصوصاً بعد أن تأكدت أمريكا وخبرائها أن النجم الشيعي غير الموالي لإيران وهي العدو الستراتيجي لأمريكا بالمنطقة بدأ بالصعود والتألّق بعد فتوى المرجع الاعلى السيد السستاني بالجهاد الكفائي .

فبعد أن خلقت امريكا داعش، وبعد أن دعمتها عسكرياً وإستخباراتياً ولوجستياً وحتى سياسياً، لرسم خارطة جديدة بالمنطقة خصوصاً في سوريا والعراق ولبنان وهم من دول الهلال الشيعي المزعوم من قبل أمريكا وحلفائها، وبعد إعلان بعض إداراتها أنها كانت تخطط للاعتراف بدولة الخلافة الاسلامية المزعومة، وبعد كل هذا وغيره مما لانعرفه، خرجت علينا أمريكا وقررت مع حلفائها الذيول إعلان الحرب على داعش .. لكن .. هل سأل احدنا نفسه لماذا إنقلبت امريكا على داعش، بعد ان كانت تتفرج وداعش تحتل نصف سوريا وثلث العراق، وبعد أن سُبيت العوائل، وقطعت الرؤوس، وإرتُكبت المجازر؟ .. ووزير دفاعها يقول علناً اننا كنا نرى زحف داعش على المدن العراقية بالصور وبالأقمار الصناعية لكننا لم نتدخل خوفاً من يُجيّر النصر لصالح حكومة المالكي التي هي حكومة العراق التي تعاهدت معكم وتعاهدتم معها بإتفاقيات سياسية وأمنية وتعاون ستراتيجي .

أقولها لكم بكل صدقٍ وأمانة .. إنقلبت أمريكا لأنها وجدت أن المعادلة العسكرية قد تغيّرت كلياً على الأرض بعد فتوى المرجعية بإعلان الجهاد الكفائي للعراقيين (الشيعة)، فخافت أن يعلو نجم الشيعة ومرجعيتهم، ويُسجل التاريخ هذا النصر المؤزر لصالحهم، فخطت بإعلان التحالف وأسرعت بتشكيله وممارسة مهامه، ليَكتب التاريخ او عملاء التاريخ، انه لولا  هذا التحالف لما تخلص العراق من داعش !! .. ولتبقى هي العين المُراقبة من السماء للأحداث على الأرض ويكون لها الحكم الفصل في بعض المعارك لبعض المناطق . وليكون الفضل في النصر للغطاء الجوي التحالفي بقيادة أمريكا، وننسى وينسى التاريخ الفضل الحقيقي لهذا النصر، وتبعيته، ولمن كان  .

لذلك أرى أن علينا كأصحاب فكر وعلم وثقافة أن نُسجّل هذا الانتصار (الذي إعترف به العراقيون بكل طوائفهم وقومياتهم)، وبدون خجل او مجاملة أو خوف او مراعاة لمشاعر الآخرين، ليكون حاضراً في سجل مستقبل أجيالنا، ويكون نبراساً ومناراً يتفاخر العراقيون به، ويتفاخر شيعة العراق به بالخصوص لأنهم أثبتوا بهذه المعارك أن دمائهم عراقية خالصة، تذوب في تراب غرب وشمال هذا الوطن كما في جنوبه .. فالنصر الذي تحقق هو نصر عراقي، وبدم عراقي، ورؤية عراقية، توحّد الجميع فيه تحت مظلّة الفتوى المباركة ..

لذلك نرى أن على الجميع الوقوف وإعادة الحسابات والإنطلاق بعد التحرير الكامل ان شاء الله لبناء دولة المواطن .

والله من وراء القصد  .

 

د. نبيل احمد الأمير

 

في المثقف اليوم