أقلام حرة

الجرائم الإرهابية.. المفهوم والأشكال والإستنتاجات والتوصيات

nabil ahmadalamirتعد الجريمة ظاهرة بالغة الخطورة حيث تهدد كيان المجتمع برمته وتؤدي الى اختلاله وعدم استقرار مصالح أفراده، لذا تسعى المجتمعات جميعاً الى مكافحتها والتخلص منها بشتى الطرق والاساليب وبمختلف صورها واشكالها واهدافها، لكونها تعمل على وضع المجتمع في حالة من إختلال المقاييس والمعايير التي تؤدي لانهيار وضع الفرد داخل المجتمع، واعاقة كافة الجوانب الحياتية له، فتجعل من الفرد مشتت في اموره وعمله، وتجعله في حالة فزع بشأن حياته واطفاله وعمله، ويكون غير مدرك لأهمية وقيمة مستقبله وما الذي عليه فعله، حيث يدخل شعور عدم الطمأنينة في نفسه، ويكون كالذي يسير في طريق لا يعرف نهايته .

وهنا نجد ان للجريمة انواع كثيرة، وجميعها تؤثر على مستقبل الفرد والأسرة والمجتمع، وعلى حياتهم ووجودهم كأفراد، لكن ما يهمنا في هذا البحث هو بيان الجريمة الارهابية التي تعتبر أحدى أنوع الجرائم التي تتفشى بشكل كبير داخل مجتمعاتنا، لتهديدها مصير جميع افراده وتضر باستقرارهم، وتجعل من حياتهم حالة من الفوضى العارمة، وهذا ما نلمسه اليوم بالساحة العراقية التي اصبحت مرتعاً للجريمة الارهابية، والتي إنتشرت بشكل سريع وفوضوي وأخذت أشكال وأقنعة وسبل مختلفة، فأصبح الفرد العراقي يعيش حالة ضياع وخوف (دامس) بين أنواع او أشكال اساليب الجرائم الارهابية التي باتت تدمر حياة واستقلال طمأنينة الفرد والمجتمع، وتجعل منه ضعيف لا حول له ولا قوة .

فما هي الجريمة؟

وما هو الارهاب الذي نجده قد سيطر على مجريات الحياة داخل المجتمعات وافزع استقرار افراده وهدد مصيرهم؟ وما اشكال واسباب جريمة الإرهاب وماهي خصائصها واهدفها؟

سوف نركز في هذه الدراسة البسيطة على الجريمة الإرهابية في العراق ومن ثم الاستنتاجات والتوصيات التي تم الوصول اليها من خلال معرفة مفاهيم الجريمة الإرهابية وإنعكاساتها على الفرد والمجتمع .

مفهوم الجريمة الارهابية

الجريمة كتعريف عام .. هي كل سلوك انساني غير مشروع، سواء كان بفكرة ايجابية او سلبية، وبفعل عمد او غير عمد، يترتب عليه جزاء قانوني جنائي .

أما الجريمة الإرهابية .. هي العمل الاجرامي السابق التعريف المصحوب بالرعب او العنف او الفزع، ويكون بقصد دائماً لتحقيق هدف او غرض معين .

ويشير بعض الباحثين في العلوم الاجتماعية والسياسية بان الإرهاب هو الفعل الاجرامي الموجه ضد الدولة والمجتمع والتي يتمثل غرضها او طبيعتها اشاعة الرعب لدى شخصيات فردية او جماعات خاصة او عامة من الشعب، وتتسم بالتخويف المقترن بالعنف مثل أعمال التفجير، وتدمير المرافق العامة والخاصة، وتحطيم البنى التحتية للمناطق والمدن، وقتل الافراد او الجماعات بوحشية، ونشر الرعب والخوف والقتل الجماعي والقرصنة .

كما ان معظم الجرائم الارهابية تؤدي بالنتيجة لإزهاق أرواح واتلاف الممتلكات وتخريب المنشات وأخلال الطمأنينة العامة متعمّد . . وتسبب خوف وفزع وسط الابرياء مدنيين او غير مدنيين .

أشكال الإرهاب والجرائم الارهابية . .

- الشكل الاول:

هو إرهاب مجموعات (وطنية)، تطالب بحق تقرير المصير، لكنها تستخدم الارهاب كجزء من ستراتيجيتها للوصول الى تحقيق أهدافها، ويجمع الكثير من الباحثين بوجوب عدم اعتبارهم إرهابين، لأن أهدافهم سامية كإستقلال الشعوب والأمم والمطالبة بحق تقرير المصير .

- الشكل الثاني:

هو إرهاب المجموعات العقائدية، ولهذه المجموعات هدف معلن هو تغيير الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمجتمعات، وبعض هذه المجموعات نجدها لا تعتنق مبدأً أو هدفاً أيديولوجياً محدداً ، حيث تتغير مفاهيمها وأفكارها ومناهجها حسب قوتها (إنتصاراتها او هزائمها) .

- الشكل الثالث:

هو الإرهاب العرقي أو القومي او الديني او الطائفي او اللغوي . . حيث يسعى أفراده لقلب نظام التعايش السلمي في المجتمعات متعددة القوميات والأعراق والطوائف والأديان للوصول لشكل واحد محدد وبالقوة الجبرية تؤمن به هذه الجماعة .

- الشكل الرابع:

هو الإرهاب المرضي والذي يقومون به الافراد او الجماعات المصابين بالإختلال النفسي نتيجة لإيمانهم بأفكار خارجة عن المؤلوف البشري الطبيعي، لتحقيق هدف سياسي معين .

- الشكل الخامس:

هو إرهاب الحرب الاهلية في المجتمعات متعددة الاديان او الإنتماءات الفكرية والآيدلوجية والعقائدية وحتى الحزبية (الأحزاب المسلحة) .. حيث تحاول فئة من المجتمع ان تفرض حكمها ورؤيتها وفكرها وآيدلوجيتها وحتى إنتمائها ودينها على باقي المجتمع .

اسباب الجرائم الإرهابية

1- الاسباب السياسية. .

للأسباب السياسية جذور عميقة في دول العالم الثالث عموماً وفي العراق خصوصاً، والتي أفرزت الجزء الاكبر من مشكلة الارهاب ومازالت هذه الشعوب تعاني منها، وهي اسباب تعود الى الاستعمار القديم والتنافس والنزاع الدائم بين الدول الكبرى ذات المصالح الاقتصادية غير المحدودة في هذه المناطق، وكثير من جرائم الارهاب جاءت عبر بوابة البحث عن الحرية والاستقلال والنضال من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية .

2- ألاسباب الاقتصادية . .

تستخدم الاسباب الاقتصادية في الارهاب بعدة زوايا، فالاقتصاد الضعيف للدولة يهيئ للإرهاب تربة خصبة لأثارة الكراهية ضد نوع الدولة الموجودة ويشجّع الطبقات الدنيا من المجتمع للخروج ضد نظام الدولة العام، حيث يسعى الارهابيون سواء كانو أفراد او مجموعات او منظمات الى ضرب الاقتصاد القومي للنظام والدولة، وتعطيل المرافق الانتاجية والاستثمارية حتى تتمكن من التأثير على الدولة والنظام وفرض او الدعوة لأهدافها السياسية .

3- ألاسباب الاجتماعية . .

إن العوامل الاجتماعية كالتخلف والجهل والتدهور الصحي وتدهور خدمات الدولة في بعض المناطق تجعل تلك المناطق مفتوحة لنشر الفكر المتطرف فيها ويمكن استمالت أهلها وجرهم الى التعاطف مع هذا الارهاب أملاً في الانتقال الى وضع اجتماعي أفضل كما تصوره لهم هذه المجاميع او المنظمات الارهابية.

4- ألاسباب الدينية . .

الاديان بمختلف أنواعها تخاطب في الانسان الروح والعقل، وهي الاكثر نفاذاً او تأثيرا على الانسان، وبالتالي فمن السهل التأثير على الانسان بلغة الدين وتتضاعف آثار الدين على العمل الارهابي في المجتمعات التي ينتشر بها الجهل والفقر والظلم والفساد وقلّة الخدمات.

خصائص الجرائم الارهابية وأهدافها

1- أستخدام التهديد العنفي او القوة والعنف او التهديد بهما بهدف خلق جو من الفزع والترويع والرعب لدى الجمهور او طائفة منه او شخصيات عامة او أصحاب سلطة .

2- عدم استهداف العمل الارهابي عادةً الضحية او الضحايا المباشرين بذواتهم وأسمائهم وشخوصهم، لان الضربة الارهابية تكون غالباً عشوائية ولا يعرف الارهابي ضحاياه، أنما يريد منها التأثير في سلوك مجموعة او توصيل رسالة ذات معنى ومغزى يستهدفها هذا العمل مما يدعوها للإحباط واليأس .

3- العملية الارهابية لا تتقيد بالحدود الاقليمية للدول وكثيراً ما تكون عابرة للحدود لضرب مصالح الدول او سفاراتها او رعاياها .

4- كذلك أهداف الارهاب قد تكون سياسية او مذهبية او اجتماعية، وقد تكون فورية او ذات بعد مستقبلي، وقد تكون لبث روح الكراهية بين طبقات المجتمع، او هدم وزعزعة ثقة الجمهور في الحكومة وسلطات الأمن والنظام .

5- وقد يكون هدف الجرائم الارهابية أيضاً الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وأن يلحق ضرر فعلي بسلامة المجتمع وكذلك الحاق ضرر بالبيئة سواء كانت متصلة بالطبيعة او صناعية .

6- الارهاب مصدره استخدام القوة أو العنف أو التهديد الذي يثير ذلك ويقع من أنسان أو جماعة أو دولة .

الجريمة الارهابية في العراق.. قراءة وتحليل

نجد ان الارهاب (عموماً) من اهم الظواهر الاجتماعية والسياسية وحتى الفكرية لما ينطوي عليه من اثار سلبية كبيرة على حياة الفرد والجماعة واستقرارهم وامنهم وعلى المؤسسات داخل المجتمع، فهو منهج وفكر لدى جماعة من الافراد يجدون ان السبيل الوحيد للوصول الى مبتغاهم واهدافهم هو قيامهم بالعنف والترهيب من خلال استخدام مختلف الاساليب والطرق، لذا هو جريمة مقيتة تذهب بحياة الكثيرين من الابرياء .

وهذا ماوجدناه في الآونة الاخيرة بالعراق، حيث تعرض شعبنا العراقي بجميع قومياته ومكوناته واطيافه لهذه الجريمة الشنعاء، والتي نالت من الكثيرين لأهداف مقصودة، هي خلق جو من الرعب والخوف بين أفراد المجتمع، وزرع الفوضى للحصول على غاية معينة يحاول حزب او جماعة او دولة ما تحقيق مصالحهم عن طريق استخدام هذا الجو من العنفي، من اجل تشتيت انتباه الافراد عما يهدفون اليه، ومن اجل بلوغ مصالحهم بيُسر من دون عراقيل او الانتباه الى مخططاتهم الحقيقية، وجعل افراد هذا المجتمع في دوامة من الخوف والفزع الدائم، حيث يبقى شغل المجتمع الشاغل هو كيفية التخلص من هذا الخطر، والمحافظة على حياة الناس ومستقبلهم .

وهنا نجد ازدياد وتفاقم الجريمة الارهابية بشكل ملحوظ سواء بأفعالها او بأساليبها او بارتكابها للقتل والخطف والتهجير والتفجير لمختلف الطوائف والمكونات العراقية، وهذا ما يزيد من المعاناة الانسانية، فأصبح الانسان العراقي يعيش داخل رياح عاتية تجوب به من مأساة لاُخرى، ليس له مستقر ثابت في حياته، حيث أصبح فاقد لكل ماهو جميل، محاولاً الولوج الى مستقر ما، لكن دون جدوى، فقد يجد نفسه في المكان ذاته لا يتحرك كأنما خُلق ليموت بطريقة بشعة .

وبسبب هذه المعاناة أصبحت الجريمة الارهابية في العراق الطبق الرئيسي اليومي (تقريباً)، الذي يتناول منه الفرد وجبته من المأساة والحزن والقلق والخوف.

الاستنتاجات. .

1- يشكل الإرهاب تهديدا مستمرا للسلم والامن وإستقرار جميع الشعوب، ويجب ادانته والتصدي له بصورة شاملة بإعتماد استراتيجية شاملة وفاعلة من للقضاء عليه .

2- إن جرائم الإرهاب تحت كل مسمياتها وظروف ارتكابها، وبغض النظر عن كل الدوافع المزعومة يجب ان تدان دون تحفظ او مجاملة او مداهنة من أحد .

3- إن نمط هذه الجرائم انتشر كالوباء في العراق، وظهر بشكل واضح بعد سقوط نظام الطاغية، بالنظر لتشكيل العصابات التي تتخذ من هذا الأسلوب طريقة عمل، ومن هذا النمط الخطير في الاسلوب الجرمي المتبع دليلاً ومنهجاً، وأن تولي بعض هذه العصابات لمكانات قيادية في الحكم والنظام وخصوصاً الأمنية منها سوف يؤخر عملية استأصالها من المجتمع .

لذا على كافة الأجهزة المختصة واصحاب القرار بالدولة إعادة غربلة المسؤولين وخصوصاً الامنيين منهم،  هذا لن يتم إلاّ إذا أدركوا الخطورة في بقاء هذه العصابات تصول وتجول دون حسيب ولا رقيب .

التوصيات . .

1- ينبغي العمل وبصورو جادة لتسوية النزاعات الإقليمة والدولية والتي تسبب للعراق عدم الإستقرار، من اجل تفويت الفرصة على المنظمات والعصابات الإرهابية، إستغلال معاناة الشعب العراقي الذي يعيش تحت تهديد خطر الإرهاب وعصاباته .

2- ينبغي تشجيع التسامح والتعايش وتعميق نشر القيم الإنسانية الفاضلة وإشاعة روح التسامح بين أفراد المجتمع من خلال مراكز متخصصة في هذا الشأن تعمل بصورة علمية لإستئصال الحقد والكراهية من المجتمع، وحث وسائل الاعلام على الامتناع عن نشر المواد الاجرامية الخطيرة من خلال القنوات الإعلامية .

3- ينبغي سن قوانين حديثة صارمة لمحاربة الجرائم الإرهابية بكافة اشكالها، سواء كانت داخلية او خارجية .

وأهم هذه القوانين هي قوانين حصر السلاح بيد الدولة والضرب يبد من حديد على كل من يحمل السلاح خارجها وتحت أي مسمى .

4- ينبغي زيادة التفاعل الحكومي والشعبي مع وسائل الاعلام، لتعزيز وعي الشعب بمخاطر الارهاب، وذلك حتى لا يمكن استخدام وسائل الاعلام او التلاعب بها من قبل الإرهابيين .

5- ينبغي مشاركة الحكومة او تعزيز علاقاتها مع المنظمات والمراكز الحكومية وغير الحكومية المهتمة بمكافحة الارهاب والفساد، داخل العراق وخارجه، لضمان مساهمة فعالة في المشاركة في المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب .

وللموضوع بقية . . .

والله من وراء القصد .

 

للدكتور نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم