أقلام حرة

النفس والماء والنار!!

sadiq alsamarai"وإذا البحار سجّرت" التكوير: 6

إحترت في النفس البشرية وتأملتها كثيرا، وغصت في أعماقها وسحت في تلافيفها، وسبرت أغوارها وتوغلت في العقل  ونظرته بإمعان.

وكان السؤال الذي أبحثه هو كيف يمكن للنفس البشرية أن توائم بين المشاعر والعواطف الملتهبة، وتبدو وكأنها في سكون وإطمئنان وتفاعل أمين مع ما فيها وما حولها.

أتعبني التجوال في غابات النفوس وأحراشها، ومتاهات الأدمغة ودياجيرها، وفضاءات العقول وأكوان الخيال، وغاب عني البرهان حتى ضبحت هذه الآية في دنياي وهزّت كياني وأيقظت خيالي، وكشفت عني غطاء الأمية ومحدودية الرؤى والتصورات.

" وإذا البحار سجّرت"، أي أن البحار تتوقد وتحترق وتكون لهيبا متأججا!!

نعم أن ذلك ممكن، فالماء من جزيئ أوكسجين وجزيئتي هايدروجين، وهذان الغازان قابلان للإشتعال والإنفجار الهائل والمدوي، فالهايدروجين يمكن منه صناعة أعتى القنابل المسماة بالهيدروجينية، والأوكسجين يصنع النار وبدونه لا يمكن للنار أن تكون أبدا.

وفي وسائل إخمادنا للنيران نحاول أن نمنع عنها الأوكسجين أو نغرقها بالماء.

فهذان الغازان المشتعلان يتّحِدان ويصنعان الماء وينفصلان فيأتيان بالنيران.

فكيف بربك تحقق الحالان؟

الأرض ثلاثة أرباعها ماء، وهو من الممكن أن يكون نيرانا، إذا وجدت القدرة الكافية على فصل إرتباط جزيئ الأوكسجين عن جزيئتي الهايدروجين ، فالقوة التي جمعتهما لقادرة على فصلهما أيضا، وهذه ظاهرة من عجائب الوجود الكوني، وصياغة معبّرة عن قدرة قادر قدير.

فالأرض يمكن أن تتحول إلى جحيم هائل إذا صار ماؤها نيرانا!!

سبحان الذي يصنع من النار ماءً ومن الماء نارا، هو الذي سوى النفس البشرية بذراتها وجزيئاتها، التي تتفاعل بأساليب تنتج ما يتوافق وذاك التفاعل من الحالات التي تبعث سلوكا معبرا عنها.

فالنفس فيها نار وماء والماء نار لكنه يطفيء النيران!!

تلك معجزة تلاحم المتناقضات وتفاعل المتنافرات، وتأكيد على آيات الإختلاف وقدرات صناعة الماء من النار، السلام من الحرب، والحب من الكراهية، فكل متناقض فاعل ويمكنه أن يكوّن ما يناقضه ويؤكده أيضا.

فالواحد يجمع أكثر من واحد لكنه واحد، والضوء يحمل ألوانا لا تحصى لكنه يبدو بلون واحد أو بلا لون كما نراه.

 والسلوك البشري لا يشذ عن هذا القانون الكوني الثقيل، حيث يمكن للبشر أن يكون عدوانيا أو مسالما، ومحبا أو كارها، وتحدد هذه التفاعلات عوامل كثيرة، وكيفيات الإٍستثمار فيها تؤدي إلى نتائج تتفق وإتجاهاتها ودواعيها، وهذا يعني بأن البشر يصنع سلوكه ويمكنه أن يؤكده وفقا لإرادته ووعيه وقدرات إدراكه وفهمه.

وكل تصرف منحرف ومتطرف ناجم عن معطيات فكرية وتصورات سلبية أو إيجابية متفاعلة في أعماق البشر ومؤثرة في المحيط الخارجي، وهي قابلة للصياغة وفقا للإرادة الجماعية والصيرورات المطلوبة والمشاريع المرسومة للمجتمع.

فهل من مياه النفوس الدفاقة القادرة على إطفاء نيرانها الأجّاجة؟!!

 

د. صادق السامرائي     

 

 

في المثقف اليوم