أقلام حرة

صور الاستعلاء في القرآن الكريم

hashani zghaydiحين يغيب الهدي: سنكون لنا وقفات إيمانية نستعرض فيها نماذج من الاستعلاء المذموم لحالات بشرية استوقفتني في القرآن الكريم، فيها دروس قيمة بليغة لهذا الكائن حين يشد عن الوحي والهداية، وحين تتفسخ فطرته السليمة، وحين تغيب وعيه و رشده، فتحل الكوارث، خواتمها ضياع في الحياة، وخزي وحسرة في الأخرة .

وقفة مع النمرود:

النمرود إنسان نازع الله في الخلق والعظمة، فخص نفسه بصفات الربوبية يحيي ويميت، وأعطى لنقسه ما لا يملكه من الصفات، فادعى أنه يتحكم في انهاء الآجال، ويوقف مسار الحياة والنفس المكرمة، والحياة هبة من الله، فمن يملك الخلق ويملك أمرها، و يملك انهاء الأجل هو وحده سبحانه وتعالى، ولكن غياب الوعي بحقائق الإيمان يورث المهالك .

أنهى الله سبحانه ذلك الجهل وذلك الاستعلاء بحوار سجله القرآن الكريم في ايجار وردت معه العبر والدروس في سورة البقرة " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" وهي عبرة لمن يدعي أنه يملك الرقاب والآجال.

وقفة مع قارون:

أما النموذج الثاني فهو مثال التعالي بالقوى المالية والثراء وملك منافذ التغول المادي وما ارتبط معه من نفوذ جيو سياسي مع التحكم في الشؤون العامة وفي صناعة القرارات المفصلية، في بيئة فرعونية اعتمدت على الاحتكار ومركزة الثروة والتعالي على الحق والصدود عنه، جعلت منه القوى الضاربة في الأرض في جو الحرمان وتفشي كل مظاهر الفساد، وفي المقابل قابله فراغ روحي رهيب امتلك كل الجوانب الحياة، وشعور بالانا فكان مثالا للتفاخر والتباهي المزين بالكبر .

و قد لخصت الآيات نهاية هذا النموذج بآيات روعة الإبداع قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُون َ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ من سورة القصص :76- 82 .

وقفة مع فرعون:

لقد أصحبت الفرعونية مضرب المثل لذلك الإنسان المتعالي في الأرض والمتكبر لقد احتلت قصصه من خلال تكرارها المراتب الأولى في القصص القرآني لعظم العبر المستقاة لتاريخ حافل بالاستغلال و الاستعباد والإرهاب الاجتماعي والاضطهاد السياسي والجرائم ضد الإنسانية لم ترى لها مثيلا في تاريخ الإنسانية وصل حد ادعاء الألوهية وهو حد التعالي والتكبر .

و قد عرض القران الكريم قصته في وجوه متعددة في السور القرآنية، نورد آيات منها تلخص أهم الأحداث التي تبين المعاني المذكورة السابقة .

" نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿3﴾ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿4﴾ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴿5﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴿6﴾ "

قصص وعبر:

إن قصص من عرضنا من النماذج دروس لكل إنسان ولكل متعال ومتكبر ولكل من ادعى أن الأسباب والعوامل والهيمنة والاستعلاء تدوم فلو دامت لا دام العز لهؤلاء ولكن سنن الله ماضية، فالحق يأخذ ولو بعد حين وقد ترك القرآن الكريم مصارع هؤلاء عبرة وعظة لنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يذخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " [رواه الترمذي 2511 حديث صحيح

بقلم الأستاذ حشاني زغيدي

 

 

في المثقف اليوم