أقلام حرة

الصَمَمُ الحضاري!!

sadiq alsamaraiالبشرية تعيش حالة مرعبة من الصمم الحضاري، الذي يعني أنها ما عادت قادرة على سماع بعضها البعض، وإنما تمكّن منها ما فيها، وراحت تصيخ السمع له وحسب، فما يتفق وما فيها تسمعه، وما لا يتوافق معه لا تسمعه أبدا، بل ولا يمكنها أن تفهم حرفا واحدا منه، وبهذا فأن البشرية تتصادى، وتسير في إتجاهات خطيرة ومدمرة، مما سيتسبب بتداعيات هائلة قد تشمل الأرض من أقصاها إلى أقصاها.

فما يحصل في العالم لا يُسمع ويُستوعب كما هو، وإنما كما يُراد له أن يكون ويُرى ويُقرأ، ويتحقق في الوعي والإدراك، وفقا لمناهج المصالح والأهداف والبناء الرَأيوي، الذي تساهم في تشييده وسائل الإعلام العاملة بأجندات وخطط وبرامج تسعى لغاياتها، ولا تسمح بما لا يتطابق ومنطلقاتها المحددة الراسخة الفاعلة في العقول والنفوس.

ومعنى ذلك أن الصوت العربي الإسلامي خائب، ولا يمكنه أن يصل إلى الآخرين بجميع الوسائل الإتصالية المعروفة، ذلك أن الأدمغة قد تقولبت في نمطيات وخرائط لا يمكنها أن تخرج عنها وتتحرر من قبضتها، فالواقع العربي المرسوم في الأدمغة حالة ميؤوس منها وخارجة عن العصر، ولا داعي للناس من الإصغاء إليها والتفاعل معها، وإنما يجب إستخدام أدوات التدمير الشامل للخلاص منها.

أي أن العرب بما يقومون به لا يستحقون الحياة، فلا هم من طلابها وإنما هُواة موت وحياة أخرى، وعلينا أن نهديها إليهم بقتلهم.

وهذا المفهوم تعززه السلوكيات الحاصلة في المجتمعات العربية على مدى الأعوام السابقة، والتي تقدم صورا وأفعالا تُرسخ ما يُراد من مفاهيم وتصورات، وما يحدد ما يُرى ويُسمع، وهكذا يكون ما يدور في المجتمع العربي من دمارات وحروب وقتل للأبرياء لا يعني الدنيا لا من بعيد ولا قريب، فالعرب لا يريدون الدنيا ويعادونها، ويحلمون بالحياة الآخرة التي فيها جنتهم وراحتهم!!

قد نلوم الآخرين على ذلك، لكن الحقيقة المريرة هو أننا أصبنا الآخرين بصمم وعمى بما نقوم به ونأتيه ونبرهنه بسلوكنا، ونؤكده بأنظمتنا التي تعادي المصالح الوطنية والعربية، وتتساقط كالقطعان في مسيرات التبعية وتنفيذ مصالح الآخرين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم ومصالحهم وحسب، وهذا سلوك طبيعي عهدته البشرية منذ ملايين السنين، ويشذ العرب عن هذا السلوك فيتجاهلون مصالحهم ويتحولون إلى أدوات لتحقيق مصالح الآخرين وأهدافهم.

كما أن العرب لا يسمعون بعضهم البعض ولا يرون أحوال بعضهم، فلماذا على الآخرين أن يستمعوا إليهم وينظرون في أحوالهم؟!

فهل أن العرب أقاموا مشروعا عربيا واحدا يرعى مصالحهم، فجميع أموالهم مستثمرة في دول غير عربية، ومحكوم عليها بالحجز في بنوك الدنيا القوية، وثروات النفط ذات مشاريع إحتراقية وتدميرية لكل ما هو عربي، وما أسهمت في مشروع إقتصادي يساهم في إسعاد العرب.

فهل سنستمع لبعضنا البعض أم أننا في صمم وعماء وإنحدار لفناء؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم