أقلام حرة

زمن الطيبين

shakir alsaediخلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، تميّزت الحياة بمتانة العلاقات الاجتماعية والبساطة في العيش، عندما كانت الناس تسكن في بيوت متواضعة وأزقة ضيقة أحيانا، لعب أطفال بدائية يمارسها الأطفال في الحارة، واجتماع الرجال في المجالس لتبادل الأحاديث وتفقد الأحوال، ومجالسة الجارة لجارتها في شاي الضحى، كان الكبير بمثابة الأب لكل أبناء المنطقة، والأم خالة للجميع، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، ومشاركة الجميع في الأحزان والأفراح في المناسبات التي تربط المجتمع بعضه ببعض .

مع ازدهار الحياة والتقدم التكنولوجي، وانتشار التلفاز والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ضعفت العلاقات الاجتماعية تدريجياً، وتعقدت طرق العيش، حتى المبادئ تغيرت وانتشرت الأنانية والحرص على المصالح الشخصية، وانشغل الناس بالحصول على الأموال واقتناء السيارات والكماليات بأثمان باهظة والاعتناء بمظهرهم الخارجي بشكل مبالغ فيه لدرجة أن قيمة الإنسان في مجتمعنا تعتمد على ما يملك ويرتدي وليس بما يحمل من شهادة دراسية، حتى وان كان الحصول على الأموال تلك بطرق غير مشروعة، ومع أن المنازل في وقتنا الحاضر أصبحت أكبر وأوسع من السابق، إلا أن الزيارات قلت، وأصبح الشباب يفضلون الذهاب إلى المقاهي (الكوفي شوب) والمطاعم والمجمعات التجارية، ولا تكاد هواتفهم المحمولة تفارق أيديهم أينما ذهبوا.

لقد وقعنا في فلك الجانب المادي من الحضارة الغربية وانبهرنا بتفوق الغرب على الشرق، فأردنا اللحاق بهم عن طريق الخطأ، وإذا أردنا الطريق الصحيح فعلينا بدراسة العقل البشري ونفسِ الإنسان في حالة انفراده واجتماعه، وكيفية تربيتها، ومِن ثمَّ استغلال العلوم التطبيقية للنجاح، استخدامها كوسيلة لا غاية.

فالفساد والبطالة وحب الجاه وسيادة القوانين القبلية قد كبلت يدي الإنسان وألقته في متاهات مظلمة وارتفعت أرقام الجرائم والجنايات إلى أعداد هائلة وضعفت عوامل الإصلاح التي تطالب بها المرجعية الدينية في النجف الاشرف كل يوم جمعة ومعها جماهير الشعب في ساحة التحرير أمام مظاهر الفساد والضياع في المجتمع، واحترقت بقايا المعنويات بين نيران الشهوات والرذائل .بعدما أصبح الخمر شراباً حلواً يباع في الخفاء أحياناً، والميسر أصبح حظاً، والغناء الهابط أصبح فناً وحضارة، والرشوة أصبحت قهوة حلوة المذاق،، والاختلاط أصبح تحضراً والتبرج أناقة، والتعري إمام الآخرين أصبح حرية شخصية، والزنا أصبح علاقة عابرة لكسب العيش، والأمر بالمعروف أصبح تطرفاً، والنهي عن المنكر أصبح تخلفاً  حينها كان إبليس صريحاً معنا منذ البداية واخبرنا بأنه سوف يضللننا في الدنيا ويتخلى عنا في الآخرة كما تخلى عنا النواب بعد الانتخابات البرلمانية.

خلاصة القول، ربما يكون زمن الطيبين قد ولّى بالفعل، بعد أن استفحلت ظاهرة تناول المخدرات في المجتمع وظاهرة الاقتتال العشائري وحمل السلاح وإراقة الدماء، حيث زهقت أرواح بريئة على أسباب تافهة كأن يكون هناك خلاف زوجي أو عقوبة طالب غير مجتهد في مدرسته أو دهس حيوان سهوا .... إلا أن مجتمعنا مازال وسيظل يزخر بأناس ذوي مبادئ وقيم أصيلة، وكما اعتبرنا جلينا أنهم ينتمون إلى زمن الطيبين، سيأتي وقت تعتبر فيه الأجيال الحالية واللاحقة من زمن الطيبين عندما تلتزم بالقانون وتوقف التعدي والتجاوز على شؤون المجتمع والإخلال بالأمن الاجتماعي. عندئذ نقول (زمن الطيبين عاد من جديد).

 

شاكر عبد موسى الساعدي // العراق - ميسان

 

في المثقف اليوم