أقلام حرة

الشخصية العراقية بين الشهرة المزيفة والشهرة الحقيقية

akeel alabodالشخصية الحقيقية معناها ان تجهد نفسك؛ تجتهد، ان تسعى، بقلبك، وعقلك، ونقائك بحثا عن سعادة الاخرين، بعيدا عن الشهرة. أما المزيفة فمعناها ان تبحث عن ذاتك على حساب الاخرين، بحثا عن الشهرة.

الباحثون عن الشهرة بكسر الشين، هم أولئك الذين ديدنهم البحث عن موضوعاتها، تلك التي عبرها يختبئون، املا بخداع وتضليل الجمهور؛ هم بغية ابعاد النقص، اوالدونية، اوالعجز الذي هم فيه، تراهم يلتجئون الى هذا الاسلوب اوذاك، بحثا عن حصانة، اوقناع يقيهم السنة الناس،  ومواجهة الاخرين.

وأقرب الطرق لردم هوة ذلك العجز، اوالقصور عند هكذا فصيلة من البشر، هو الحصول على منصب ما، كأن يكون برتبة مستشار، اوبرلماني، اووزير، اوايهام البعض من خلال استعمال مسميات لها دلالات مهمة في الاذهان. مثل خبير سياسي، اوستراتيجي، اوخبير روحي، كما يحلو لبعض المشعوذين تسميته، اوخبير اعلامي، اوخبير اعشاب، وهكذا. وكل هذا يحصل في بلد تمتد ذروته الحضارية الى أقصى نقطة في اعماق التاريخ.

فالعراق هذا الذي أنجب اعظم الشخصيات، وأعظم الباحثين، والخبراء في العالم، البقعة التي من زقورتها آور، وآثار سومر، ونبوخذ نصر، والوركاء، ومسلة حمورابي؛ ارقى ما سطره الانسان؛ التربة التي من نخلها، وانهارها، يتعلم الآخرون لغة التاريخ والحضارة، الامتداد الذي لأجل طهارة ارضه، كانت ثورات العظام، وملاحمهم تتلى تباعا،  الوطن الذي أنجب فطاحل العلماء، والشعراء، والأطباء. الجغرافية التي أنجبت السياب، والملائكة، وقوافل لا حصر لها في هذا الباب، الشموخ الذي أنجب الكبار في حقول الطب، والقانون، والهندسة، والسياسة، والفن، والأدب، والتراث، والموسيقى، والرياضيات، بل جميع مجالات الحياة، يقف اليوم عاجزا عن تلبية دعوة استئناف نبوغه الحضاري.

لهذا كما وقف الرصافي معترضا ذات يوم قائلا: "علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف"،

 يقف العصر الذي على أنشودة زيفه ارتدى رجال الدين فيه عمائم السياسة المقنعة بابواق التلاوات المعطرة بالذكر المنمق، ويقف اشبال السياسة فيه على شبابيك التذاكر، ليدلو بدلوه معترضا، على مقولات الكذب المعبأ بامبولات الانعاش الزائف تحت مسميات تم تصنيع معلباتها سياسيا، ومذهبيا، واجتماعيا، ليحل السفهاء فيه والأقزام محل الحكماء، واهل العلم، والثائرين،  متمردا صامتا، منكسا العلم السومري، والآشوري، والبابلي، بعد ان فقد التاريخ  هيبته الاثرية.

هنا وبما انه لم يعد بعد أهمية تذكر لحضور موائد المترفين وخطاباتهم، انطفأت شموع احبتي فغاب الكلام وانقطعت السبل، الا عبر توابيت أعدت صناعتها بطريقة متقنة، حتى أيقن صاحبي ان لا عودة بعد لقافلة المبدعين.

لقد غاب الجواهري، ومثله السياب في الشعر، وغاب الصدر محمد باقر، والشهيد يوسف سلمان يوسف في السياسة،  وغاب علي الوردي في علم الاجتماع، ومثله غاب كبار الفن، وكبار النفوس، وكبار العلم، وكبار الضباط.

الكفاءات الحقيقية كلها غابت، بعد ان تم استبدالها، غابت عمامة الدين، وغابت عباءة  ابي الجون شعلان في باب المجتمع، ومثلها  الشهادات الحقيقية أجهضت قيمها العلمية، النفوس الحقيقية، تم دفنها تحت أنقاض حضارة احرقت معالمها، ليصار الى احلال التاريخ المزيف، والدين المزيف، والسياسة المزيفة، والشهادة المزيفة، والشخصية المزيفة، بدلا عن  الحقيقية، ومثل ذلك، مثل احلال الذهب المزيف، محل الذهب الخالص.

لقد دفنت الصور والمعاني اللامعة للعلماء، مثلما دفنت وأحرقت اثارهم، وتم تصفية الكثير منهم، لكي تسقط القيم، وتباع ثمنا لتشييد قصور الساقطين؛ هدمت منارات العلم  في اعظم بلد في هذا العالم؛ اسقطوا الدين تحت حرفة السياسة، واسقطوا السياسة تحت حرفة الدين، واحرقوا الجامعات، كسروا هيبة الجيش، فاستبدلوا الرتب الحقيقية للعسكر برتب زائفة، وصنعوا قوانين جديدة لحماية مصالحهم وعلى حساب المجتمع.

وعلى غرار هذا وذاك، صار التلاعب بالالفاظ الرنانة وسيلة لحماية هذا النوع من الانحلال، فكثرت فضائيات الثرثرة  والتضليل، مثلما كبرت رقعة الأحزاب والكتل، حتى صرنا وبسهولة تامة نسمع عن خبير فلان، ودكتور علان، والقائد فلان، والسيد صاحب الوجاهة فلان، وشيخ العشيرة فلان؛ والوزير فلان،  وتلك الاصنام جميعا، كما آلهة تم الترويج لها بأمر من أوامر صاحب الوجاهة والسلطان،  ليشار اليها غصبا بالإذعان، والبنان.

 *لقد مات سقراط لأجل اعلاء كلمة الحقيقة.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم