أقلام حرة

النصر العظيم.. تحرير الموصل

ali mohamadalyousifبعد ان رزّحت الموصل ومحافظة نينوى باقضيتها ونواحيها، ومكوناتها السكانية من مسيحيين وايزيديين وشبك وتركمان وعرب، وكرد تحت هيمنة الاحتلال الداعشي الاجرامي، لما يقرب من ثلاث سنوات عجاف (سقوط الموصل في 10 حزيران 2014)، تمكنت عصابات داعش المتخلّفة الرجعية الهمجية من التمدد لما بعد نينوى والموصل في احتلال محافظات صلاح الدين والانبار واجزاء من محافظتي كركوك وديالى، اذ بلغ مساحة ما احتله داعش ثلث مساحة العراق، اي (40) بالمئة .

تلك كانت نكبة سياسية وعسكرية ومدنية في كل المقاييس، اشترك بتنفيذها امريكا - اوباما ودول اقليمية ودول جوار العراق، بادوات ووسائل خيانة عراقية ومحلية موصلية ايضا .

نكبة في اعلان داعش دولة خرافته من جامع النوري الكبير وسط الموصل، ومارس منها الظلم والاعدامات والتعذيب والتهجير وسبي النساء، وجرائم ستدخل في نوعية بشاعتها ووحشيتها وهمجيتها تاريخ الطغاة في العالم .

وجاءت فتوى المرجعية الدينية بالنجف الاشرف (السيد علي السيستاني) في الدعوة للجهاد الكفائي، ودرء الخطر المحدق ببغداد، وكانت تلك لحظة تاريخية مصيرية، مفصلية في حياة العراقيين، بالوقوف امام زحف الجراد الداعشي وايقافه من التمدد وتدمير الحياة في كل ارض يحتلها، ويغتصب اهلها .

واليوم بعد قتال مرير ومعارك دامية قاسية تم تحرير الانبار وصلاح الدين وديالى واجزاء من كركوك، ومحافظة نينوى، عادت هذه المدن الى حضن العراق واسترجعت هويتها الوطنية، وكرامتها المستباحة .

يخطئ جدا من يتصور ان داعش سلّم الموصل عاصمة دولته الخرافية بسهولة من غير ان يتّبع ويعمل باقذر الوسائل في قتاله اللا اخلاقي، وفي استعماله الغازات السامة الكلور والسيانيد، وزج الانتحاريين والانتحاريات في المعارك، والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وتلغيم الدوائر الحكومية والشوارع وبيوت المواطنين في استماتته منع تقدم القوات العراقية الباسلة التي كانت تقاتل داعش وهو متمكن في قنّاصين على اسطح المنازل واتخاذه من العوائل البريئة دروعا بشرية، اضف لكل هذا ان القوات العراقية الباسلة كانت تقاتل من شارع الى شارع ومن بيت الى بيت لتخليص الاطفال والعوائل وانقاذها من براثن داعش وقسوته في تصفيته لهذه العوائل التي تروم الركض نحو القوات المسلحة، فكانت عصابات داعش تبيدها بدم بارد وحقارة تأباها البهائم وتنكرها وحوش الغاب . لذا ستدخل معارك تحرير الموصل في سجل التاريخ العسكري عالميا، فهي حرب اخلاقية نظيفة ونادرة بصفحاتها البطولية.

كثيرة هي الدروس والعبر التي يجب استخلاصها من نكبة الموصل وعمليات تحريرها، يأتي في المقدمة منها ضرورة الحفاظ على النصر المتحقق الذي روته القوات العراقية بمداد من الدم والشهداء والجرحى، وان يستفيد اهل الموصل ونينوى بكافة مكوناتها الدينية والاثنية، ويتعّضوا بدروس ما حّل بهم من فقدهم لاعزاء قلوبهم من اطفال وشباب ونساء، وما حصل من تدمير وخراب للموصل بسبب تواطؤ وخيانة سياسيين محسوبين على مدينتهم، ومجاراة بعض اهالي الموصل لهؤلاء المتخاذلين في صمت ونفاق، وفي تأمين حواضن للارهاب، اسفرت عن نفسها وانكشفت وبانت وجوه اصحابها الكالحة .

واذا جاء التحرير بتضحيات عراقيين بررة نجباء من غير اهالي الموصل، فهذا يرتّب على اهل الموصل دين الحفاظ على هذا النصر العظيم، وعدم الانجرار وراء سياسيين خذلوهم وباعوهم ولا زالوا يتاجرون بمصيرهم ومستقبل اجيالهم .

ومن صفحات الاستذكار انه بعد ان ايقنت عصابات داعش بان نهايتها بالعراق اصبحت محسومة وبحكم الامر الواقع، ومسألة وقت غير مريح يتجرعون مرارته، و انه لم يعد لهم بقاء على الارض العراقية . وامام هذه القناعة ايقن الدواعش انهم لا مناص ولا خلاص لهم من د فع ثمن جرائمهم الوحشية، فعمدوا الى تسليم المدينة ارضا خرابا مهدمة محروقة، وكان هذا الدمار والخراب وبطش داعش بالاهالي وتقتيلهم بلا رحمة هو الضريبة التي توّجب على اهل الموصل دفعها، من اجل عودة مدينتهم عراقية موحدة . وليراجعوا انفسهم واخطائهم القاتلة .

كما يتوجب على العراقيين عموما واهل نينوى خصوصا استذكاروعلى الدوام المواقف الانسانية وصور البطولات لقوات التحرير بكافة صنوفها وتشكيلاتها، واندفاعهم وتسابقهم في نخوة وغيرة نادرة، في القتال بيد، وانقاذ العوائل والاطفال النازحين المنكوبين باليد الاخرى .

صور بطولية كان يتسابق لها الابطال في عرس التحرير، ويدفعون استحقاقاتها برضى وطيب نفس، الجود بارواحهم الطاهرة، ودمائهم الزكية، والا كيف نفّسر مشهد جندي باسل يركض بلا امر عسكري لا نقاذ

طفل فيرديه قناص داعشي غادر لئيم فاقد الاخلاق والمروءة، شهيدا مضرجا بدمائه والطفل الصغير في حضنه وبين يديه.؟!

وماذا نقول بحق شهيد اخر يهرول وبيده قنينة ماء نحو رجل عجوز ينازع بين الحياة والموت، فيرديه القناص الداعشي شهيدا مضرجا بدمائه.

لا تعد ولا تحصى صور البطولة، كان الضباط والجنود يتبرعون بارزاقهم لعوائل نازحة، جياع لا يجدون شربة ماء.وبعض القادة والضباط لم ينزلوا لرؤية عوائلهم اشهرا عديدة.قادة وآمرين وجنود قاتلوا ببرد الشتاء، وقيظ الصيف اللاهب درجة الحرارة (50) مئوية.

ومن صور الشهامة العراقية، ان تغادر النجف الاشرف في يوم واحد (1600) شاحنة، محملة بالاغذية والمياه والادوية والمعلبات لانقاذ نازحي العوائل من الموصل، ناهيك عن استقبال محافظات الوسط والجنوب لالاف العوائل المهّجرة من تلعفر وسنجار وسهل نينوى .

على اهل الموصل تحديدا وهذه نكررها اكثر من مرة ان يحذروا محاولات السياسيين المهزومين المتخاذلين الذين تواطؤوا مع داعش، وتسببوا بنكبة اهلها، انهم اليوم وبعد النصر يحاولون بوقاحة وصلف تسويق انفسهم، وسرقة النصر ومزاحمة ابطال التحرير في محاولتهم مسك الارض بعد التحرير وتنفيذ مخططاتهم ومشاريع اسيادهم التقسيمية .

وعلى اهالي الموصل اذا ارادوا العيش بكرامة وامان وتآخي ان يحرصوا على التعاون مع الاجهزة الامنية في مسك الارض وبسط هيمنة القانون، وفي الابلاغ والكشف عن الخلايا الداعشية النائمة وفضح حواضنها، وان يعوا جيدا اهمية وضرورة تعرية الفكر التكفيري الداعشي، ومموليه ومساعديه ومناصريه في الجوامع والجامعة والاعلام وفي المدارس وبكل مرافق التوعية .

وهذا اقل شيء يقدمه ابناء الموصل لأيفاء الدين الذي في اعناقهم لعوائل الشهداء والجرحى الابطال الذين روت دمائهم الزكية ارض الموصل الحدباء، وطمأنة ذويهم بان تضحيات ابنائهم السخية لن ولم تذهب سدى .

فبتضحياتهم تحيا عوائل الموصل اليوم، وبفضلهم تنهض الموصل من كبوتها لتضّمد جراحها وتعّمر مبانيها ومؤسساتها المدمرة، ومعالمها الاثرية وتراثها العظيم الذي استباحه وحوش داعش وهمجيتهم .

تحية اجلال واكبار لكل بطل ساهم بتحرير الموصل من صنوف وتشكيلات القوات المسلحة والشرطة الاتحادية، ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي وتشكيلات الرد السريع وقوات النخبة البواسل .

تحية اجلال واكبار للقادة الميامين الذين اعجزوا تاريخ العسكرية واعطوا للعالم اجمع كيف يكون تحرير الاوطان، نذكر منهم الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي مثال الرجولة والبطولة ونبل الاخلاق، والفريق الركن عبد الغني الاسدي البطل الجلد الغيور الذي اعطى مقاتليه كيف يكون الصبر وانتزاع النصر، والفريق الركن رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية الذي ضرب هو وضباطه وجنوده صورا نادرة في البسالة والقتال في الساحل الايمن من الموصل، والفريق الركن معن السعدي قائد قوات النخبة في جهاز مكافحة الارهاب، ابطال المهمات الصعبة .

ومعذرة وكل المعذرة لمن لا تحضرنا اسماءهم من الذين ستذكرهم الاجيال بعد الاجيال باسمى معاني البطولة والفداء وصدق الانتماء والوطنية، فوالله لقد كانوا بحق اهلا للغيرة والشهامة والاخلاق والشجاعة، فلهم منا العرفان على جميل ما قدموه ولهم كل المحبة والتقدير.

 

علي محمد اليوسف - الموصل

 

في المثقف اليوم