أقلام حرة

مؤتمرات اهل السنة وغياب المصالح الوطنية العليا

ali mohamadalyousifعديدة هي المؤتمرات التي تدّعي تمثليها أهل السنّة في العراق، التي عقدت في دول جوار العراق، وحملت في احشائها بذرة فشلها الطائفية، باستثناء انها وسيلة ارتزاق وتكسّب لسياسيين فاسدين وفاشلين تقاضوا ويتقاضون ملايين الدولارات من دول الخليج بلا استثناء، لتوظيفهم وزرعهم ادوات تخريب للعملية السياسية الديمقراطية في العراق، ودواليب اعاقة لنهوض وتقدم العراق، وتأمين سلامة وحدة اراضيه وسيادته الوطنية .

اليوم نجد النغمة تغيّرت في ضرورة عقد المؤتمرات لأهل السنة في العراق ببغداد، وبتمويل سعودي معلن (140) مليون دولار، لكن هذه المرّة بعيدا عن وصاية مخابرات الدول الراعية لمثل هذه المؤتمرات المشبوهة التي عقدت خارج العراق، بحيث لاقت هذه الدعوة قبولا مشروطا من حكومة بغداد، بعدم حضور عناصر مطلوبة للقضاء، ولخلافات حول تقاسم التمويل تأجل عقد المؤتمر.

هذه المؤتمرات التي تديرها نفس الوجوه السياسية والدينية طيلة 14عاما، وتحت توجيه ورعاية نفس الدول الممّولة، هي ابشع وسيلة ارتزاق سياسي لعناصر مشبوهة فاسدة، لايتوفر فيها ولا تحمل ادنى درجات الشرعية في تمثيل اهل السنة في العراق، ولاحقيقة معاناتهم وكوارثهم ونكباتهم، كما لا يحملون المسؤولية الاخلاقية والوطنية تجاه مستقبل العراق وبناء تجربته الديمقراطية، التي يسعون بالسّر والعلن العمل على افشالها، خدمة لأجندات دول اقليمية في المنطقة، يمثل نجاح التجربة الديمقراطية في العراق تهديدا مباشرا لا نظمتها التسلطية الحاكمة .

وسواء اتت هذه المؤتمرات بتجميع شخصيات عراقية من خارج العراق بضمنها سياسيين ورجال دين مطلوبين للقضاء، او في تجاوزهم في تجميع بديل عنهم من اعضاء في البرلمان والعملية السياسية، يطرحون انفسهم بدلاء عن مؤتمرات الخارج، وانهم اكثر اعتدالا وتجاوبا مع المسعى الوطني، وفي الالتقاء بالكتل الشيعية في الحكومة على منهاج وطني ديمقراطي جامع لكل اطياف ومكونات الشعب العراقي . (كالمؤتمر الذي اعلن عن عقده ببغداد بتاريخ 13 – 7 -2017، بزعامة محمود المشهداني رئيس مجلس النواب الاسبق.)، فهي مؤتمرات فاشلة.

ونجد ان هذه المؤتمرات مضيعة للوقت وعقيمة في نتائجها حالها حال المؤتمرات الخارجية التي ادعّت احتكار تمثيل السنة، بنفس طائفي واجندة اجنبية.

ربما يأخذ عليّ البعض مصادرتي مخرجات ونوايا هذا المؤتمرات، ووسمها بالطائفية والفشل . ان اي متابع للمشهد السياسي العراقي سيخرج بنفس الحكم في ما ذكرته، من خلال استقراء بسيط لمجريات الامور والوضع المعقد الشائك في العراق .

فهذه المؤتمرات في عدم خروجها للفضاء الوطني في التمثيل والمشاركة لعناصر سياسية من مكونات عراقية مثل المسيحيين والايزيديين والتركمان والشبك وبعض الكرد، فانها ستدمغ نفسها بالصبغة الطائفية، وهذا من شأنه تعميق الشروخات الطائفية والمجتمعية على اساس مذهبي واثني بدلا من ايجاد الحلول لها .

مثل هذه المؤتمرات تدور في دائرة مغلقة همها الوحيد تثبيت الوجود، في تغييب وغياب حقائق الامور في سقفها الوطني، والعجز عن الاقتراب من معالجتها . وهي مؤتمرات لا ترغب مواجهة المسؤولية الوطنية والمترتبات الاخلاقية والسياسية لها .

وكل ادعاء ان هذه المؤتمرات ستكون في محصلتها تجاوزا حقيقيا للمحاصصة الطائفية، وارساء دعائم تفاهمات صادقة في تعزيز الديمقراطية، وتصحيح مسار العملية السياسية والوصول الى دولة المواطنة، فهو وهم وحراثة في بحرمن التفاؤل . لانه ببساطة لاتمتلك هذه المؤتمرات رؤية متكاملة في الاصلاح، كما لا تمتلك منهاج عمل سياسي وفق الية تنفيذية تتطلب استحققات من التنازلات الواجب دفعها من قبل الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة في المشهد السياسي.

جميع المؤتمرات التي ادعّت تمثيل اهل السّنة كانت مؤتمرات وتظاهرات سياسية اعلامية، تسبح في فضاء الارتباط باجندات خارجية، والاذعان لتلبية مطالب الدول الراعية والمانحة، مهما تستّرت عناصرها بقناع تمثيل اهل السنة الزائف . فهي مؤتمرات التحضير لاستحققات الانتخابات القادمة .

ان اي تطبيق حقيقي لشعارات هذه المؤتمرات المعلنة، تعني قطعا مغادرة هذه الوجوه مواقعها السياسية والدينية الى غير رجعة بعد افلاسها الوطني والاخلاقي واحتراق اوراقها في الشارع العراقي تماما، فهي عناصر مارست الفساد واصبحت من الاثرياء، ومارست اللعب على مشاعر وآلام اهل السنة وافلحت بذلك . لذا فهي الآن لايمكنها تحت اية ضغوط التخلي عن ارتباطاتها الخارجية وقطع التمويل عنها .

فمثلا تفتقت عبقرية اصحاب هذه المؤتمرات، انهم سيجتمعون في بغداد لاختيار مرجعية سنية – المقصود مرجعية سياسية ودينية معا – يمكن العودة والتفاوض معها في معالجة قضايا وشؤون البلد المصيرية ....

حتى في حال تسليمنا ان يعتبر ايجاد مرجعية ..... الخ، هو هدف لمؤتمر تثار مثل هذه الزوابع الاعلامية حوله وترصد له الملايين، فماذا سيتغير ان كانت هناك مرجعية توحّدهم، ام افراد وعناصر يستظلون كل خمسة منهم تحت خيمة مخابرات دولة عربية او اجنبية ينفذّون اجنداتها المشبوهة .!؟

ماذا سيتغير اذا كانت هي نفس الوجوه السياسية يعاد تدويرها مرة بعد اخرى، فيها سارق المال العام، والمتعامل مع الارهاب، والمطلوب للقضاء، ولا تستطيع حكومة بغداد محاسبتهم .

بتسويق واخراج مبتذل آخر، ان هذه العناصرالتي كانت تحجز مقاعدها في الحكومة العراقية على اساس محاصصة طائفية سياسية، الآن سيتغير الوضع والحال لها ليصبح تحت شعار(وطنية) جامعة، بعد ان اصبحت مفردة المحاصصة الطائفية مستهلكة مبتذلة في التداول السياسي المستقبلي للعراق .

ومن الاهداف المعلنة لمثل هذه المؤتمرات، تحقيق مصالحة سياسية او مجتمعية كما

يحلو للبعض المناداة بها، تحت اشراف ورعاية احزاب سياساسية مؤتلفة معها في الحكومة، هي

الاخرى مواقفها مائعة، وتشكو من دوار السقوط عن كراسي الحكم.

هل ان مشاكل العراق متوقفة على ايجاد مصالحة سياسية او مجتمعية؟ وهل يمكن اختزال مشاكل العراق بتحقيق مثل هذه المفردة البائسة، التي هي واحدة من افرازات المحاصصة الطائفية السياسية؟

لا اعتقد ان المجتمع العراقي يحتاج مصالحة مجتمعية او غيرها، اذا ما توّلت ادارته سلطة حكومية وطنية نزيهة، تفرض القانون وتعامل الناس بمبدأ تكافؤ الفرص في كل شيء.

لا اريد في هذه المقالة تسطير ما يحتاجه المجتمع العراقي والعملية السياسية من

اصلاح، انا كنت ذكرتها في ورقة اصلاح سياسي تفصيلا، وآلية تشكيل مجلس سياسي اعلى يتولى حكم العراق لمرحلة انتقالية. ولا اجد ضيرا من ادراج بعض

فقرات تلك الورقة الوثيقة التي تقع في(45) مادة وفقرة اصلاحية، علما ان الورقة منشورة على موقع المثقف الغراء، وعلى موقع كوكل google، كما نشرتها صحيفة الديار اللندنية:

1- مراجعة وتعديل الدستورالحالي لما فيه من الغام ومطبات.

2- احالة جميع الرؤوس الفاسدة المختلسة للمال العام للمحاكم والقضاء.

3- حل مشكلة كركوك.

4- تنظيم علاقة الحكومة الاتحادية مع الاقليم.

5- اعلان حالة الطواريء بالعراق، لايجاد فاسل زمني للمراجعة وتحقيق الاصلاحات، كما تفعل مصر وتركيا وفرنسا ودول عديدة.

6- حل مجلس النواب العراقي الحالي، الزائدة الدودية في العملية السياسية.

فقط مدة حالة الطواريء.

7- تشكيل حكومة انقاذ وطني بالانتخاب، وليس بتقاسم السلطة والنفوذ.

8- تعديل نظام الحكم من برلماني الى رئاسي.

هذه وغيرها من مواد وفقرات اصلاحية تضمنتها ورقة الاصلاح، هو مايحتاج الوضع السياسي العراقي معالجته، بروحية وطنية نزيهة، تقدم

عليها الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة بتجرد عن تحقيق المصالح الفئوية

وتقاسم السلطة والنفوذ، بما من شانه تحقيق دولة مواطنة حقيقية، ووضع

العملية الديمقراطية على سكة المسار الصحيح.وقد كنت وضعت آلية تنفيذية لتحقيق هذه الاستحقاقات الاصلاحية.

اما عقد المؤتمرات والتطبيل الاعلامي المرافق، للوصول الى هدف ايجاد

مرجعية او تحقيق مصالحات سياسية واخرى مجتمعية، فهذه ترّهات تصرف

الاذهان عن معالجة الامور الجوهرية.

 

علي محمد اليوسف

 

 

في المثقف اليوم