أقلام حرة

لن يرضى عنك

juotyar tamerان المتتبع للنص الديني سيجد في هذا الاقتباس المحتكر دينياً خروجاً غير مرغوباً به على الاصول الدينية المقدسة بالنسبة له، ولكنها احدى الاشكاليات التي دائما ما يتخذه اصحاب النص او من يظنون بانهم حاملي النص الديني باعتباره حكراً على امثالهم دون غيرهم، وبذلك يتحول النص الى ادات رخيصة لرغباتهم وطموحاتهم ومساعيهم لتحقيق ما يخدم قومياتهم، وهذا الحكر النصي مر بمراحل عديدة، ففي حين كانت الغلبة للكهنوت الديني القومي العربي كان رجالات السلطة وقتها يقربون رجال الدين ويفسحون لهم في مجالسهم مكاناً بارزاً كي تؤازر اقاويلهم افعال السلطة،و هم ما يمكن ان نسميهم وعاظ السلاطين كما تحدث عنهم الدكتور علي الوردي، وحين تحولت الامور وداهم السلطوية العربية الدينية الاسلامية بالاخص بعض الاطراف الخارجية مثل الفرس في اوقات كثيرة استطاع هولاء من بسط نفوذهم على السلطوية ووظفت الاقاويل حسب المعطيات الجديدة للحدث الديني انذاك، كما فعل كل من الفرس والترك حين استولوا على السلطة، وقلما نجد انطباعاً غير دينياً حول المسالك التوظيفية للنصوص المراد استغلالها لبسط السلطوية من جهة، ولبسط النفوذ القومي من جهة اخرى، كل تلك النصوص كانت تؤدي واجباتها الحتمية لخدمة القضايا الانتمائية وبشكل واضح ومستمر .

غالبية العاملين في الحقل الديني لامسوا هذا التوظيف التأويلي للنص الخادم لطموحات السلطوية في مراحلها الثلاث العربي والفارسي والتركي، ولكن حين آلت الامور في وقت ما لغير هذه القوميات الثلاث انتفضت الحمية القبلية لديهم، واصبح الكل يرمي بدسائسه كي يقلص مساحة السلطة الجديدة، وكي يدعم مقولة وجود هولاء على السلطة باطل، على الرغم من كون السلطة الجديدة استطاعت من تحقيق ما عجزت اجيال من السلطوية التابعة للقوميات الثلاث الاخرى في تحقيقه.

بلاشك المتتبع للتاريخ سيعرف باني اتحدث عن القومية التي وجدت تزامناً للقوميات الاخرى على هذه الارض ، ولكنهم وبحكم انصياع التاريخ لمبدأ القوة والسلطة لم يستطيعوا من خلق المساحة اللازمة "للم الشمل" من جهة، ولفتح قنوات سلطوية نصية دينية من جهة اخرى، فالكوردي حين استلم زمام الامور في الكثير من المناطق التابعة له قديما تكالبت عليه احقاد الجوار التزامني، فتحول الجوار الى رمح مسموم في خصر الوجود الكوردي كما فعل احفاد الفرس بميديا الكوردية، وضمن هياكل الوقت ومراحل التاريخ بقي هذا الحقد المتأصل ليس من قبل الفرس فقط للكورد متقداً ومساوياً للحقد القبلي بين اوساطهم، والتاريخ حين يستند على الوقائع دون الخضوع لمبدا السلطوية الدينية الشمولية سيعترف بذنبه بكونه لم ينصف الا اصحاب السوط والرمح والكرسي، وهذا بالطبع ما حصل حين استولى العرب على السلطة الدينية النصية حيث وجهوا رماح غلهم الى اراضي كوردستان بحجة ابادة واقصاء المجوس الفرس وقتها، وطمسوا معالم كوردستان تحت وطأة غلهم،  فادار الزمن دفته على الفرس و توالت السنوات وعاد الفرس" البويهيون" يسطون على مصادر النص التشريعي السلطوي اعادوا الكرة على الاخرين ومن ضمنهم الكورد، ولان الحراك البشري لايتوقف في تحقيق رغباته السلطوية تحول مسار الجدف واصبح الترك لفترة طويلة يمتلكون الدفة فاحرقوا من لاينتمي الى قوميتهم وكان الكورد والامارات الكوردية في العهد العباسي بالذات احدى اهم الاعمال التي يتفاخر به التاريخ السلجوقي واستمرت الحالة على هذا النمط الاقصائي لحين العثمانيين الذين حاربوا العرب والفرس والكورد ولم يجتمعوا الا في افراغ غلهم على الكورد سواء من خلال اسقاط الامارات الكوردية او من خلال اتهام الكورد بالخروج عن النص والدين، وكذلك في الاتفاقيات بين الدولة الصفوية والعثمانية، وفي اتفاقية الجزائر، حتى اصبح ولاء الكوردي الديني اشبه بالخنجر المسموم في خصره، بحيث لم يتخلص من عباءة السلطة العربية والفارسية والتركية المدعية بانها ظل الله على الارض.

وفي العهد الحديث والمعاصر هذه الاحقاد الثلاث لاتتوانى ابداً في ضرب اي هدف كوردي قومي يسعى لخلق نواة  تكون البداية لجمع شعب قوامه يفوق الخمس والثلاثين مليون منتشرين في اصقاع الخراب الارضي، دون ان يأويهم سقف وارض، حيث تتصدر عناوين صحفهم وخطاباتهم ان الكورد مارقون خارجون عن الدين يريدون تفكيك العالم الاسلامي وشق الصف الوحدوي الديني، متجاهلين الواقع وانه في الاصل ليس هناك ما يسمى العالم الاسلامي، انما هناك فقط عوالم قومية اثنية متناحرة فيما بينها على الزعامة والسلطوية، ولا يتحكمون الا بالنظم والاعراف القبلية التي كانت سائدة بينهم فتأصلت في عقولهم المغلقة تماماً باسم الشرع والدين واقصاء الاخر طالما فيه قوام التحرر والتطور، ولن ينكر واعي هذا الامر في وقتنا الحاضر، فكل الامور عند القوميات الثلاث متصلة بالجذور والجدود، وتردد في الخفاء والعلن الكورد لم يسلموا الا متاخراً وحاربوا من اجل اوطانهم، وبقي منهم من هو مستمر على دينه الزرادشتي لوقتنا الحاضر، الكورد هم من اسقطوا دولة الشيعة الفاطمية، الكورد هم من ازاحوا الزنكية التركية، الكورد هم من حرروا القدس التي يدعي العرب انها لهم، الكورد هم الذين وقفوا بوجه المقبور البعثي، الكورد هم من وقفوا بوجه داعش الاسلامية التي يترأسها عربي، الكورد هم من يسعون لانشاء كيان مستقل لانفسهم، الكورد هم من يسعون لتقسيم الخراب المسمى العراق، الكورد هم الذين يحاربون السلطان التركي الجديد، الكورد هم الرافضين لهمجية اصحاب العمائم في قم وطهران، الكورد هم طرف معادلة صعبة في الواقع السوري، الكورد لديهم علاقات جيدة مع اسرائيل وامريكا واوروبا، الكورد ليسوا ترك وعرب وفرس، الكورد هم الذين لن يرضى عنهم العرب والترك والفرس ابداً.

هذه الهمجية العلائقية تتسيد عقول هذه القوميات الثلاث  تجاه الكورد، وكأنهم يتجاهلون انهم في الاصل منقسمون بين انفسهم، ومن ينظر الى الواقع ويرصد الوقائع سيجد كيف ان الصف النصي الديني الاسلامي منقسم على بعضه البعض بل حاقد على بعضه البعض لدرجة لايمكن ان يتنبأ احد بما قد يحدث بينهم، فالعراق العربي الموحد ليس الا اسم ، حيث الواقع يبرهن على انقاسمه العرقي الديني الاثني المذهبي الطائفي العقلي العاطفي الانتمائي النفسي، وحتى في ولائه منقسم، وسوريا تعيش نفس الوقع العراقي، كما لبنان، واليمن المنقسم على نفسه بجنوبه الرافض لسلطوية الشمال الشيعي والمدعوم من القنوات السنية المهيمنة على مداخل النص الديني، والباحث عن الاستقلال، والجنوب المدعوم باموال طهران، ومصر المنقسمة بين الاقباط والفرعونيين والاسلاميين المتطرفين والعرب غير المنتمين لمذهب واحد، وفي ليبيا والسودان التي انفجر جنوبها بوجه السلطوية فاخذت استقلالها، وقضية الشعب الامازيغي في الجزائر بل في الشمال الافريقي عموماً الشعب المهمش عرقياً ولغوياً وتراثياً وعقائدياً، وكذلك قضية الصحراء الغربية والصراع الدائر بين البوليساريو والمغرب وتاثيرها حتى على العلاقات الجزائرية المغربية احياناً، فضلاً عن ما يحدث الان بين السعودية الامارات والكويت وقطر، وليس ببعيد عنهم ما يفعله السلطان التركي في سعيه لاقصاء اية عقبة تقف بوجه مطامحه ومطامعه وسلطاته، ودعمه لقطر على حساب علاقاته مع السعودية والامارات، وايران التي الحكم عليها من خلال الكلمات ظلم بالكلمات، مصدر الفكر الاقصائي منذ اقدم الازمنة ومحالاوتها الحالية في بث روح الانقسام بين البلدان التي تضم اتباعها " العراق – سوريا – لبنان – اليمن – اذربيجان - افغانستان - باكستان – الهند - كشمير....."، كل هذا المناطق هي بؤر للصراعات الداخلية بين المذاهب والاطياف الدينية المدعومة كل من جهة خارجية.

ان الاجمال والتفصيل قد لايسعه مجلدات لاظهار هذه العلاقات المعقدة بين الاطياف المدعية بانها ظل الله على الارض وانها الوريثة الحقيقة للسلطوية النصية الدينية، لذا فالمقولة الدينية التي يمكن ان تكون ذا مغزى واقعي وتنطبق على الواقع الكوردي الحالي هو ان اذا كانت اليهود والنصاري لن ترضى عن العرب والمسلمين، فانه في حالة الكورد اليهود والنصارى راضين عنهم، ولكن العرب والترك والفرس لن ترضى عنكم ياكورد لذا استغلوا الفرصة التي بين ايديكم وقرروا مصيركم بانفسكم وكفاكم العيش تحت عباءة الولاء الديني المقيت لكم، وانتفضوا على احقادكم لبعضكم البعض، واسسوا لانفسكم دولة تقيكم شر من حولكم، ولتكن صراعاتكم بينكم لتطوير فكركم القومي والنضالي، وليس صراعا يلبس اوجه الاخرين من اتباع "طهرغداد" او تركستان ولا من بقايا عربستان، ان التاريخ لايخلد الا من استطاع الخروج من عباءة هولاء، وعاش عيشة كريمة حتى وان كان قد ضحى بحياته من اجل ذلك.

 

جوتيار تمر/ كوردستان

22-7-2017

 

 

في المثقف اليوم