أقلام حرة

هل تقضي تركيا على نفسها بصواريخ اس 400؟

emad aliيبدو ان تركيا بصدد شراء صواريخ اس 400 وهي كما تدعي تصر على ذلك وتنهي ما تهم عليه خلال السنوات المقبلة، وما نلمسه انها تهتم بهذه الصفقة اعلاميا اكثر من جوهر الصفقة نفسها وكانها تريد ان تعلن للقاصي والداني بانها تنوي ان تصل لتفاهمات والعرض والطلب السياسي كجزء من الصراعات مع شركائها سياسيا قبل التراجع عن ما تريده باسم هذه الصفقة السياسية قبل ان تكون عسكرية او تؤجلها لاشعار اخر محاولة كسب ود امريكا بالاخص وفرض عدة امور اقليمية ومنها الضغط عليها من اجل فك التعاون والتنسيق مع وحدات حماية الشعب الكوردي، والا هي لا تريد ان تقطع العلاقات الاستراتيجية التي بنيت بشكل وطيد ومرت بظروف سياسية عالمية معقدة مع الغرب بشكل نهائي لاسباب عديدة تعلمها روسيا قبل غيرها .

حاولت تركيا من قبل ان تلعب هذه اللعبة مع الصين ولم تنجح في ضغوطاتها على الغرب من خلالها وخذلتها الصين وتراجعت هي بماء الوجه دون ان تتقدم في تحقيق ما تريدها من الغرب ولو خطوة واحدة وكشفت عن نواياها قبل تحقيق ما تريد كما استوضح ذلك على العلن واتخذت الصين موقفا صارما منهيا لعبة تركيا بشكل سلس ودفعتها على اعقابها ولم تستفد من تلك المحاولات شيئافي النهاية .

استغلال تركيا للتناقضات السياسية العالمية من اجل اهداف ضيقة قصيرة المدى تفضحها اكثر في الدبلوماسية والعلاقات التي تسير عليها البلدان العالم، فان اللعب على وتر فرض شروط على التقارب مع اية دولة جعل سمعة هذه الدولة اكثر اهتزازا ومشكوكا فيها . العلاقة المتوترة مع اوربا والقلق الدائم والمتطلبات ومحاولة تحديد مجرى تناول امريكا للقضايا التي لها الصلة المباشرة باستراتيجيتها ومستقبلها في المنطقة، ومن ثم محاولة لي الاذرع من خلال تغيير الوجهة في العلاقات مع ما يمكن ان نعتبرهم خصوم او منافسي امريكا سيجعل من تركيا غير موثوقة ولا يمكن اعتبارها دولة مستقرة وصاحبة السيادة وفق ثوابت العلاقات العالمية والحداثة في التعامل والتنسيق والتعاون بين البلدان .

ان امريكا من جانبها تعرف جوهر اللعبة التي تلعبها تركيا، وتقول دائما ان ما تدعيه تركيا امر خيالي ولم يحصل الا بعدما تقرر تركيا التباعد الكلي عن حلف الاطلسي والغرب، وان صفقة الصواريخ  والاتفاق النهائي غير التكتيك الاعلامي المعلن لاهداف سياسية امر خيالي يصعب تحقيقه لما تعرفه امريكا من صعوبة ما يفرز عنها والتباعد الموجود تاريخيا بين البلدين اي تركيا وروسيا والذي لا يمكن ردم الشقوق فيها بردود افعال احادية الجانب ومن اجل حث الطرف الاخر على تغيير وجهته وبعض من سياساته، علاوة على انها تحت ضغط دائم من قبل الدول الغربية كافة، وانها سوف تستمر وتستغل ما تهتم به كورقة ضغط فقط او تهديد من اجل تغيير في توجهات او الغور في القضايا الاقليمية الحساسة لها .

و من جانب اخر فان هذه الصفقة قد تدفع الى التعاون والتنسيق الاكثر على حساب الحلف الاطلسي وتعمل على جذب تركيا في العمل تحت سقف منظمة شنغهاي الاسيوية، فان حصل هذا فانه سيقطع بقايا الخيط الرفيع من التواصل بين تركيا والغرب بشكل عام، وعندئذ سيكون لكل حادث حديث .

يعلم اردوغان بان هذه الخطوات ستؤدي الى طرق ضيقة ولم تبق امامه خيارات كما هي الحال اليوم الذي يريد ان يستفاد اكثر من هذه المناورات التي بداها بعدما احس بان امريكا والغرب لم يعدون كما كانوا في حساباتهم وتدليله كطفل رضيع، ولكنه على يقين بان نهاية المطاف والوقوف على المسار الواحد سوف يجعله ان يدفع الثمن غاليا من جميع النواحي ولا يمكن ان يتوقع احد ان تتحملها تركيا وهي في وضع داخلي مزري .

اما اذا جازفت وغيرت تركيا وجهتها نهائيا فانها يمكن ان تصر على مجموعة من الشروط على روسيا في حال اقرت على نقطة تغيير استراتيجي نهائي وهو غير متوقع لحد اليوم، لانه سيؤدي الى تغيير في علاقات اكثر من سبعة عقود متواصلة وما حدث فيها يتطلب عملا متشابكا معقدا مؤثرا علىه من النواحي السياسية العسكرية الاقتصادية، اي بداية مرحلة جديدة ومغايرة جذريا . وانها مغامرة كبيرة في مسير اردوغان وتركيا بكل عام ولا يمكن ان نتوقعها اولا ومن ثم ان حصلت فان نتائجها لا يمكن ان تكون مضمونة، الا اذا كانت تركيا تريد ان تعمل ما كانت عليه ابان الامبراطورية العثمانية ولكن بثوبها الاردوغاني الجديد، وهذا صعب لان قدرات وامكاينات تركيا والمعادلات الاقليمية والعالمية والظروف المغايرة تماما لا تساعد باي شكل كان ما يطمع اليه اردوغان شخصيا .

اما ما يخص مكونات الشعب التركي وما يمكنهم من العمل الجاد، فان حصلت هذه العملية المتعددة الجوانب والوجهات خلال السنتين المقبلتين على الاكثر، فان تركيا ستدخل مرحلة متنقلة صعبة عليها ويمكن ان تكون مفيدة جدا لمن يريد ان يقتنص الفرصة من اجل نيل الحقوق المهضومة من قبل تركيا تاريخيا، وستمهد الارضية للجميع في العمل والتنسيق على تحقيق الاهداف المصيرية الحقة، وهذا سيؤدي الى تغييرات لا يمكن ان يتصورها اردوغان ولا يمكن ان تقدّر تركيا حجم التشابكات وتعقيدات المعادلات في المنطقة، وعليه ان تمهل وتانى وتعمق فانه يمكن ان يفكر اردوغان الف مرة قبل ان يقدم على هذة المجازفة والمغامرة التي تؤثر على مصيره قبل بلده، وبلجان الغرب اعلم منا بهذا . ومن هذا يمكن ان نستدل بان صفقة الصواريخ اس 400 ستكون ذو حدين على تركيا  فانها يمكن ان تقضي عليها قبل ان تنجح في تحقيق الاهداف الثانوية التي يريدها اردوغان من هذه الصفقة او التقارب من روسيا اصلا . 

 

  عماد علي

 

 

في المثقف اليوم