أقلام حرة

اخبار حزينة من لندن

khadom almosawiلا تكتفي لندن في ما تنشره وسائل الإعلام عنها، كل يوم، او كل ساعة ودقيقة من مشاكلها واخبارها العامة والخاصة، فقد أضافت لها في هذين اليومين، الجمعة والسبت، 12-11  من هذا الشهر، آب/ اغسطس 2017 أخبارا حزينة ثقافية وسياسية عربية ايضا.

كم محزن أن تكتب عن الموت، الرحيل الاخير، الفقد، والوداع الاخير؟! وعن أناس عرفتهم او تعرفت عليهم وتركوا باسماءهم بصماتهم، باي شكل. ومهما كانت الصلة بينهم تظل شخصياتهم بارزة واسماؤهم لامعة، رغم الموت والرحيل عن هذه الدنيا الفانية.

نعت الجالية العراقية في بريطانيا، عبر المنتدى العراقي، الكاتب والمترجم سعدي عبد اللطيف، (2017- 1949 ( فقد رحل في لندن، في منفاه الاخير، بعيدا عن بغداده وشوارعها واحياءها التي تركت آثارها على جبينه واودعته أسرارها، وسيفتقده أصدقاؤه واهله، وتظل ذكراه بينهم شاخصة لفترات طويلة حتما، لما له من ذكريات حميدة واخبار وديعة تعكس شخصه وطلته ورفقته وجلسته وصوته الهادىء وخجله البادي على محياه، رغم تعب المنافي وبُعد السنوات.. كتب وترجم إلى اللغة العربية الكثير من النصوص الأدبية والفلسفية، ونشرها في المجلات والصحف التقدمية العربية، منذ أيام صحيفة "طريق الشعب" في بغداد ومطبوعات المنظمات الفلسطينية وحتى مطبوعات الجاليات العراقية والعربية ومنظماتها في المنافي. رحل سعدي خفيف الظل بصمت كما هو نفسه مودعا في كل ليلة او سهرة عاشها في محنته في المهاجر وقسوة المنافي العديدة والمنفيين الاعدقاء. وكما غادر عالمنا هكذا مثلما جاء لندن لاجءا بعد تجوال وانتقال، ومصاعب الحياة اليومية، وحمله حقيبته المملوءة بآخر الكتب الصادرة من المطابع الإنجليزية والصحف اليومية، وروحه المملوءة بهمومه وأحزانه وانكساراته، ورأسه المشغول دائما بعراقه الجريح والبعيد عنه، سافر في نهاياتها سفرته الاخيرة، النهائية، مودعا دون ضجة او صخب الليالي التي عاناها ودمعت عيناه من ظلامها وظلمها ووحشتها في أغلب الأحيان.

والخبر الاخر من لندن عن رحيل الفنان العربي والمبدع الكبير عبد الحسين عبد الرضا، (2017-1939) حيث بثته مشفى في لندن، وهو الذي ودعها من سنين في اجمل مسرحياته، وبعد أن عرف نشاطه الإبداعي المسرحي والتلفزيوني، وعّد مؤسسا له في بلده الكويت، وارسال اولى اشعاعاته الى المسرح والتمثيل في جواره الخليجي. ليصبح بجدارة من مؤسسي الحركة الفنية في منطقة الخليج ضمن فنانين آخرين سبقه أغلبهم بالرحيل. وظلت تلك الإبداعات بنكهتها الخليجية السياسية النقدية والفكاهية عنوانا له ولجيله، ولقدراته الرائدة في تلك المجالات وإمكاناته الواسعة في ابقاءها متواصلة لسنوات وسنوات. ومنذ ستينيات القرن الماضي بدأت اتجاهاته الفنية، فشارك في أول عمل مسرحي باللغة العربية الفصحى تحت عنوان "صقر قريش" في عام 1961، وشارك في تأسيس فرقة المسرح العربي سنة 1961 وفرقة المسرح الوطني سنة 1976، كما قام في عام 1979 بتأسيس مسرح الفنون كفرقة خاصة.

قدم للمسرح نحو 33 مسرحية، واكثر من 30 مسلسلا تلفزيونيا، من بينها "درب الزلق" و "الأقدار" الذي كتبه بنفسه، وكان آخر ظهور له في مسلسل "سيلفي 3 " في عام 2017. ومعروف أنه كتب بنفسه عددا من المسرحيات والمسلسلات ومثل فيها. وقدم عددا من الاغاني والاوبريتات الغنائية ايضا. بفقدانه اليوم خسر المسرح العربي مبدعا كبيرا وراءدا لا يختلف عليه ولا ينكره حتى من لم يضحك لما قدمه وابدعه على المسرح او التلفزيون.

حين سمعت بالخبر تسابقت امامي صورته في أكثر من مسرحية له، ومنها "باي باي لندن"، التي سجل فيها بواقعية اجتماعية وانتقادات صريحة وكشف واع لحياة الزوار الخليجيين في اجازاتهم في لندن وما يحصل معهم ولهم وما يعانون ويتكرر معهم كل مرة، وكأنه يقول بصوت عال انتبهوا واستريحوا دون أن تخسروا هدفكم وراحتكم معا. وهو إذ يجدد في إبداعه وتطوره الفني يستند إلى وعي شديد ودعوة إلى اليقظة والإنتباه للحاضر والمستقبل في بلده والمنطقة، فالحياة لا تدوم بالنفط وحده..

 اخر اخبار لندن اليوم الحزينة، خبر وفاة المناضلة الشيوعية البارزة في السودان، فاطمة أحمد ابراهيم، عن عمر 85 عاما بعد صراع مع المرض. المعروفة بأيقونة الشجاعة في مواجهة الدكتاتورية وللنضال من أجل الفقراء والنساء. واول عضوة نسائية برلمانية في السودان عام 1965 وفي المنطقة العربية والأفريقية. وقادت أول إضراب عرفته مدارس البنات في السودان في عهد الاستعمار البريطاني. واختيرت أول رئيسة للاتحاد النساءي الديمقراطي العالمي عام 1991. وتميزت بأدوار قيادية في الحركة النسوية والسياسية السودانية. ولعبت دورا بارزا في ثورة تشرين اول/ أكتوبر 1964 وقاومت نظام جعفر نميري (1969 -1985) بشراسة وتعرضت للسجن والملاحقات الأمنية. كما نشطت في مناهضة "نظام الإنقاذ" منذ حزيران/ يونيو 1989 عبر التجمع الوطني الديمقراطي.

الراحلة أرملة المرحوم الشفيع احمد الشيخ، ابرز قيادات الحزب الشيوعي السوداني (رئيس اتحاد عمال السودان ونائب رئيس الأتحاد العالمي لنقابات العمال) حتى إعدامه في تموز/ يوليو 1971، وشقيقة الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم. ولها مشاركات إقليمية ودولية في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وعدة مؤلفات من بينها” طريقنا نحو التحرر” و”حصادنا في عشرين عاما” و”المرأة العربية والتغيير الاجتماعي”.

هكذا رحلوا عن عالمنا في لندن، ومن لندن انتقلوا بعيدا.. بعيدا...، ولكن بالتأكيد تظل لهم، كل بما امتاز به وقدمه، وتركه من أثر وقبول، ماثرته الشخصية وسجله في التاريخ والوطن وما تحمله عنهم الأجيال. الرحمة والذكر الطيب لهم والصبر الجميل للاهل والمحبين والاصدقاء والاوفياء فعلا وقولا.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم