أقلام حرة

ريموتات الحكم والتحكّم

nabil ahmadalamirلقد منحني الريموت كنترول مساحات واسعة لتنظيم القنوات الفضائية، وجعلني قادرا على ممارسة هوايتي الاستبدادية بإصدار أحكام التوقيف والتعطيل والحذف ضد القنوات التي لا ارغب بمشاهدتها، وأصبح لا فرق عندي بين صولجان الحكم وجهاز التحكم بعد أن أضحى الرسيڤر مملكتي وشاشته الملونة نافذتي التي اطل منها على القارات السبع، ولن يقدر أحد من السياسيين على اقتحام خلوتي المنزلية بعد الآن، ولن يتسببوا بإزعاجي بمواقفهم المتأرجحة وتصريحاتهم المتناقضة، وأشكالهم غير النظامية، وبات من حقي الاستمتاع بسلطاتي التعسفية في حشد القنوات المفضلة بقائمة منفصلة واحتجاز القنوات المملة وتصنيفها خارج الترتيب العام، ولن يفلت الريموت كونترول من يدي حتى عند انقطاع التيار الكهربائي، فالتنازل عنه يعني التفريط بسلطتي التلفازية في البحث والتقييم والانتقاء والمشاهدة، فالترتيب الذي تندرج فيه المحطات المفضلة أصبح في حقيقة الأمر يعبر عن شخصيتي وهواياتي وعُقَدي، ويحدد رغبتي في متابعة برامج القنوات الجغرافية والإخبارية والرياضية .

لقد كنت من المدمنين على متابعة أخبار قنوات معيّنة، لكنني اكتشفت إنها كانت عبارة عن أبواق مدسوسة وواجهات مغشوشة، مهمتها الأولى تضليل الناس وتشتيت أفكارهم بالأخبار الملفقة والأفلام المفبركة، فكان مصيرها الإهمال، ورحت ابحث برغبة جامحة عن القنوات الإخبارية المحايدة والمهنية فلم اعثر عليها حتى الآن، ولم أجد قناة عربية محايدة، فجميعها مجيّرة لحساب الجهات التي موّلتها ووجّهتها . 

اما القنوات العراقية (حفظها الله ورعاها) والتي تبث برامجها من هنا أو هناك فقد أصيبت كلها بحمى الأزمات السياسية المحلية، والتي لا تنتهي، فتفاعلت مع الأحداث وانقسمت في مواقفها الإعلامية بين من يطالب بالرحيل والثورة، وبين من يطالب بالإصلاح والمُسامحة والفرصة، وبين من يُنظّر للسيد فلان وأتباعه بأنهم عملاء ويجب إجتثاثهم، وبين من يُنظّر للسيد فلان وأتباعه بأنهم المُنقذون، وكأن بلد التاريخ والحضارة الممتد آلاف السنين ليس به إلّا فلان وفلان (حفظهم الله ورعاهم) .. فسئمت ضجيج وصراخ كل القنوات، ولم اعد أصغي لمهاتراتها وتجاذباتها وتنافراتها .

ويظهر علينا بين هذه القناة والأخرى نماذج جديدة وغريبة من المحللين والمحللات، والناطقين والناطقات، ممن تخصصوا بإطلاق التصريحات  والتلميحات، ومن مفارقاتهم العجيبة إنهم اختاروا الظهور في القنوات كلها بوقت واحد حتى يخيل إليك إنهم احتكروا الاستقطاب العمودي والأفقي في لواقط النايل سات والعرب سات، فكان لابد من التصدي لهم بجهاز التحكم الذي أمسكه بيدي، فحرمتهم من الظهور وأخرجتهم من الترددات كلها، ولم اسمح لهم بالتسلل إلى ذاكرة الرسيڤر خاصتي . .

وتركتهم يشتمون، ويمدحون بعيداً عني وعن شاشتي، وأدرت الصورة على القنوات الدينية، لأنهل منها مايُعينَني في ديني ودنياي، وإذا بهؤلاء المحللون والمحللات (فجأة) يطلّون عليّ من جديد في قنوات الدين، ليُنظّروا لدين جديد لا أعرفه، دين يخدم مصالح هذا الحزب أو ذاك، ومصالح هذا القائد الأوحد أو ذاك قائد الضرورة . . .

فقررت ترك قنوات الدين لهم، وتغيير القناة، لكني مع كل هذا الضغط على أعصابي ....

لن أترك الريموت كونترول بيد أحد، وسأبقى أتحكّم به ولو من بعيد  .

والله من وراء القصد

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم