أقلام حرة

الخطر الاكبر هو فقدان الدولة الكوردستانية

emad aliنقرا ونسمع عن تاسيس الدولة الكوردستانية من وجهات نظر مختلفة وبخلفيات فكرية عقيدية متنوعة وكل من جانبه يقيم الوضع لاغراض واهداف متعددة، ولكن الاكثر تحفيزا لما يهم الكورد ويثير حفيظته هو ما يُعتبر حقا للاخر في عبور مراحل بناء كيانه وتحريمه هو من ولادة طبيعية لاطار ما يحافظ عليه كانسان ويمنع اذابته وفناءه على ايدي القوميات السائدة التي لا ترحم بل يحملون من التعصب الاعمى البعيد عن اية سمة انسانية ومستقوين بدولة مركزية واحيانا يدعون الديموقراطية زيفا من اجل السيطرة .

اننا لا نتكلم عن النخبة المثقفة النموذجية من القلة القليلة ضمن شعوب منطقتنا والتي تنظر الى الحياة بعيون انسانية ولها خلفيات فكرية بنيت على اسس لا يمكن ان تضر باي كائن على العكس من الاخرين اصحاب الدوافع التعصبية التي استوردت تلك الخصائص خلال مراحل التاريخ ومنبع الاول والاكبر لها هي الجزيرة العربية، ووصلت عبر الفتوحات والاحتلالات الغادرة للمنطقة التي ابيد سكانها الاصليين وافرغ منهم، ولم يعلم حتى من بقي من سلالات الاصليين انهم ليسوا من ابناء هذه الثقافة وما استبدلوا به عقلياتهم وتفكيرهم ليسوا هم من يحملوه ولا يمكن ان يكونوا منهم ابدا .

نعم نتكلم عن العقل الجمعي وعصارة الفكر المسيطر على الدول التي انقسم عليها الكورد في لحظة من الزمن دون ارادته، نتكلم وكلنا حصرة على ان المنطقة مشحونة بافكار وعقائد لا تعطي مجالا للتعايش السلمي والاخوي بين القوميات والكيانات نتيحة سيطرة فكرة القومية السائدة والمسيودة وما تتسم في عقلية المتنفذين من كانوا وما ادعوا من الفكر والعقيدة والثقافة لا تشي الينا باننا نتحررمنها عن قريب . نتكلم بهذا الشكل وكلنا تمنيا ان كنا في دولة سائده فيها مفهوم المواطنة والعدالة والمساواة التي لا تحتاج في هذه الحال الى اية دولة اخرى لاي مكون كان، نتلكم وكلنا قهر والم على ان نقبل بما سارت عليه هذه الدول القومية الصرفة في العقود الماضية ونحن ما تفرض علينا الدولة الجديدة ان نعيد تاريخهم (تاريخنا) بالمحتوى المعلوم وبالاشكال والالوان المختلفة مرة اخرى ولوحدنا .

لماذا الدولة مطلب ضروري للكورد، ولا يمكن ان يتحاشاها اي عاقل واقعي، ونعلم هناك قلة قليلة ترفضها وهي لا تؤمن بما تقول اصلا في قرارة نفسها، واما هي تجبر حالها لاسباب كثيرة على ادعاء ما لا تؤمن به ويعتبره الاخرون بانها فوق فكر القومي او الاعتزاز بالدولة التي هي مؤسسة مهمة وضرورية في مرحلة ما. وهؤلاء المدعون برفضهم للدولة شكلا فقط اما دوافعهم سياسية صرفة وهم يخوضون غمار الصراع المحتدم بين الاحزاب, وهم مسببوا الخلافات الخطيرة وهشاشة الوضع السياسي والاقتصادي العام بما الحّوا عليه من الخصام والصراع مع السلطة وافعالها المشينة اصلا ولم يدعوها ان تسيرالى ما تصل الى حافة الامر الذي تقع فيه الى ان تعود الى رشدها بشكل طبيعي . او من يعتمدون الافكار النظرية البعيدة عن الواقع ولم يحللوا الاهم والاولوية التي يجب ان ينظر اليها والعمل من اجل تحقيقها وو اولى الاولويات هي بناء دولة محافظة على الكيان ومانعة لتدخل الجوار ومسالمة ونموذجية لبيان ماهي المقومات التي بنيت عليها ويجب ان تقدم درسا لمن شاخت ولم تصل الى المباديء التي يمكن ان تتسم بها الدولة الجديدة .

الاسباب الموجبة لبناء دولة كوردستانية لا يمكن ردها فكريا وعقيديا وسياسيا واقتصاديا وانسانيا من اي كان وبحجج دامغة مقنعة للجميع، وكل من يتكلم عن الاستفتاء والاستقلال الان لم يدّع انه امر مجحف او غير محق او ليس للكورد الحق في بناء كيانه او عدم وجود مقومات بناء الدولة الكوردستانية، بل كل الادعاءات لرفض العملية المزمع اجراءها هي سياسية قحة ومصلحية تمس دول المنطقة والكبرى من جانبهم، وليس فيه اي شيء بما يمكن ان يقنع الكورد بانه ليس على الحق، او ما يطلبه ليس واجبا عليه، او متطلباته يغدر بالاخر، او انه عمل ضد الديموقرطاية وحقوق الانسان والعدالة والتعايش السلمي . انهم يفكرون ويدعون وفق معادلاتهم هم ووفق مصالحهم هم وما يهم شعبهم هم دون ان يفكروا ولو للحظة باحقية الاخر فيما يدعيه . اننا نسال الم يصب الكورد من الالام والمعاناة والغدر والخيانة ما لم يصب به احد في المنطقة وحتى في العالم باكمله . فهل وصلت هذه الدول التي الحق بها الكورد الى حال التي تتمع به من الصفات يمكن ان تؤمّن حياة الكوردي وتضمن حقوقه البسيطة المشروعة، فان الجواب لدى المحق والعادل والناظر الى الامور بانسانية هو النفي بكل ما فيه . اذن ما السبب في الرفض ؟ الاجوبة مختلفة ونابعة من ظروف مرحلية ومن دوافع لا صلة لها بحق الكوردي والكوردستاني في اخذ حقوقه. فمن الاجوبة المضحكة؛ فالوقت غير مناسب، والمنطقة في فوران، وهناك حرب ضد داعش، وستؤدي الدولة الجديدة الى تغيير المعادلات، ومنهم من يقول بانها كارثة، طبعا كارثة لاهدافهم الخاصة ونظرتهم ومخططاتهم وما يهم شعوبهم ومصالحها فقط دون النظر الى الجانب الكوردي لما يريد وما يحق له . وكل تلك الادعاءات ليست الا حجج واهية لان السبب الرئيسي التي لا يمكن ان ينطقوه هو عدم التقاء مصالحهم البعيدة والقصيرة المدى مع بناء دولة كوردستان في هذا الوقت، ولهم الامرالاهم والاكبر من هذه القضية ويريدون ان يضحي الكورد من اجلهم وكانه لم يضحّ منذ عصور غابرة بحقوقه ولم يضحّ من جانب اخر من اجل نيل حقوقه .

الجميع يعلم بان هناك فجوة كبيرة ومختلفة المحتوى بين الكورد وبقية العراقيين، وانها نعم بنيت جراء ما حصل لهم على مدار التاريخ، ولكنه نعلم منذ متى ويدعي الخيرين ردمها ولم يحصل ولن يحصل لان المسببات باقية ولا يمكن ازالتها في القريب العاجل . ان العصبيات القومية هي هي على حالها ولم تزح او تدفع جانبا بفعل العصبيات الدينية والطائفية او المذهبية التي استجدت او بالاحرى طافت في العراق، وشاهدنا خلال السنين مابعد سقوط النظام في بغداد، كيف يمكن لاي كان ان يرفع مستوى التصويت له اي لمن يريد ان ينال منصب او مرتبة معينة، وتلمسنا فمن ضرب على ايقاع التعصب القومي اجتمع حوله الاخرون على الرغم من خلافهم الديني والمذهبي والطائفي . اليس هذا دليل على ان التعصب القومي لازال جذوة تحت الرماد وسوف توقد متى ما انتهت صلاحية التعصبات الاخرى او غطيت بالقوة .

ان المثقفين والنخبة يؤمنون بما يمكن ان يحصل للشعب بهذه العقول المتسلطة، وعليه يعتقدون بان الحلول الجذرية لا يمكن ان تاتي بترقيع هنا وهناك . وفي الجانب الاخر، فان المثقفين الكورد يعلمون جيدا بان بناء الدولة لا يمكن ان ياتي على طبق من ذهب، وان كانت تتسم بكل السمات الانسانية والتقدمية المنشودة منهم وان تاكدوا بانها ستكون جارا مفيدا لهم . ان الشعب الكوردستاني يعقتد قبل الجميع بان النضال الانساني والعمل على ترسيخ التقدمية في العمل والتوجه يبدا ساعة اعلان الدولة الجديدة ويحتاج لجهود وتضحيات عبر الاجيال القادمة، ولكنه على علم ايضا بان بقاءه تحت سلطة الاخر السائد سيبقيه على حاله ولم يقرب له ساعة النضال الدائم من اجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وبه لا يمكن ان يذوب الفكر العرقي والقومي في خضم تلك الصراعات والمحاولات المستميتة الكثيرة من قبل الاخرون الكثر، والذين اثروا لحد معين على هذا الجانب بما قاموا به من الاستعراب والاستتراك والاستفراس للكورد كثيرا منذ مدة، وهذا سيستمر دون وضع حد له بوضع حدود الدولة الذاتية وهي الوسيلة الوحيدة والدافع الاقوى والسلاح بيد الاخر الذي يستعمله ضد المكون الكوردي دون ان يفكر يوما بدولة المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية .

فيما يخص الاستفتاء في كوردستان، اننا على يقين بان نعم هو الجواب المحتمل للاكثرية وان هذا ايضا سيؤدي الى اطلاق يد من لم يكن ديموقراطيا في تاريخه، وهو من افسد السلطة ووضع الكورد تحت نير الازمات السياسية والاقتصادية، وهو من لم يحترم حقوق الانسان والديموقراطية وحرية التعبير والراي، وهو من اسال دم اخيه الكوردي بيده، وهو من يؤمن بالعشائرية والقبلية كعقيدة لحكم الدولة، وهو من تسلط وبقي على كرسيه دون وجه قانوني او حق، وهو من مارس نوع من الدكتاتورية لحد اليوم، وهو لم يعترف بالتعددية وحق الاخر والصراع والتنافس الحقيقي والنقد البناء، وهو من يريد بالاستقلال ليثبت بانه قائده الاوحد ويسجل مجدا تاريخيا اكثر من احقاق الحق للشعب . الا ان بناء الدولة سيتيح فرصة اكبر واوسع للنضال الحقيقي لانه بذلك يزول الخوف من العدو الخارجي والممكن ان يتدخل لجانب او اخر او يفسد ما يبنيه الشعب عن طريق النضال الحقيقي الطبقي الذي ننتظره في مرحلة اعلانها .

نحن اذن امام احتمالين، اما بناء الدولة وما يمكن ان يستهل النضال الحقيقي الداخلي في وقته، او العودة الى المربع الاول والعيش قسرا مع المركز الذي لا يمكن ان ننتظر الافضل مما مر، وهو بنى الكيان العراقي الجديد وفق المحاصصات الطائفية والعقيدة الدينية المذهبية البعيدة عن المساواة والعدالة، وسنزيد الامر تعقيدا بالخلافات العرقية والتعصب القومي اكثر من الخلافات الاخرى ومن الموجود حاليا . اي المستفيد الوحيد في بقاء العراق على حاله هو دول الجوار بعيدا عن كافة مكونات العراق والمصالح العالمية الامريكية التي تعتقد بان اعلان دولة كرودستان يضرب في وسط مصالحها البعيدة المدى .

انني ادرك جيدا ما يتبلور منذ بداية انبثاق الدولة الكوردستانية، وهو محاولة المتنفذين بالتحكم في السلطة بكل الطرق القانونية والسياسية ويثيرون حجج كثيرة ومنها وجود الخطر الخارجي ويمكن مداهمتنا من قبل الاعداء وغير ذلك من الاعذار الحاضرة دائما . وفي المقابل كما قلت لابد من النضال الداخلي الديموقراطي والطبقي بشكل خاص من اجل التقدم نحو الافضل ومنع هذه النوايا بطرق سلمية وان احتاجت ستكون نضال عسكري لازاحة الدكتاتورية .  

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم