أقلام حرة

المشارقة أول من ترجم كتابات مالك بن نبي إلى اللغة العربية

eljya ayshالجزائريون أكثر قراءة للمشارقة والنخبة الجزائرية مشروع لم ينضج بعد

هل كتب على المثقف الجزائري أن يظل تائها يبحث عن هويته ضائعا في بلده يعيش الاغتراب الثقافي، يبحث عن صورته في المرآة فيجد وجها آخر غير وجهه، يظن أنه تعرض للمسخ، يضرب المرآة بحجر فتتشوه صورته، تشتعل بداخله نار التمرد والثورة ، قد توصله الى حد الانتحار كذلك الفيلسوف الذي انتحر شنقا، ليرتاح من التفكير والتأمل، ويرحل من عوالم مثقلة بالمشكلات والمآسي الإنسانية في الحروب والمعارك

فآرثر كيسلر الكاتب البريطاني المجري الأصل وزوجته انتحرا معا في يوم أول مارس 1983 ، وكان آرثر كيسلر قد تأثر بمبدأ "الخلاص الذاتي"، عندما انضم قبل إقدامه على الانتحار الى إحدى الجماعات تطلق على نفسها اسم "الخروج" Exit ، وتبشر بأن حياة الفرد هي ملك خاص به وله الحق في التصرف فيها كما يشاء، وأنه يمكنه أن يتخلص منها بالموت الإرادي أو كما تسمى بـ: "اليوثانيزيا"، حين يجد أن حياته تمثل عبئا ثقيلا عليه، قبل أن ينتحر كيسلر كتب رسالة يقول فيها: " بعد أن حاربتُ وجاهدتُ طويلا من أجل إقرار حق الحياة بالنسبة للمحكوم عليهم بالإعدام، فإنني أجد الآن من المناسب والمنطقيّ أن أنادي بحق الموت بالنسبة للمحكوم عليهم بالحياة الطويلة المُمِلَّةِ التي تمتهن بطولها كرامة الفرد واحترامه"، هكذا انتحر آرثر كيسلر وعمره 77 سنة، وتبعته زوجته "سنثيا" التي كانت سكرتيرته الخاصة قبل أن يتزوجها بعد وفاة زوجته الثانية، انتحر آرثر كيسلر وزوجته في وقت واحد عن طريق تناول جرعة كبيرة من الحبوب المهدئة، وعثر على الجثتين جالستين في جلال ووقار على مقعدين بلندن، وكان انتحار زوجته معها لأنها كانت تدرك أنها لن تستطيع العيش بدونه، كان انتحار آرثر بمثابة ولادة جديدة للمثقف، وإن كان أحد الأطباء المختصين في أمراض الأعصاب في الجزائر سار على خطى هذا الفيلسوف (آرثر كيسلر) عندما أقدم في حوالي الخمس سنوات الأخيرة على الانتحار وشرب كمية كبيرة من الأقراص، وكانت حادثة الانتحار هذه قد أثارت جدلا كبيرا، فولادة المثقف الجزائري لم تحن بعد، وحين يصل موعدها، لاشك أنها ستكون ولادة قيصرية، لكن متى وأين وكيف لا أحد يملك الإجابة، لأن الفاصل كالحد بين الوهم والحقيقة، قد تغير الكون كله والتاريخ والمناخ أو أنها تبقى الأمور على حالها، ولهذا يمكن القول ان النخبة المثقفة في الجزائر مشروع لم ينضج بعد .

فمعظم الذين يكتبون في الجزائر يكتبون بأقلام جزائرية ولكن يفكرون بفكر عربي، لأنهم متأثرين أيما تأثير بالمشارقة وغالبا ما نجدهم يقرأون لهم ولا يعيرون اهتماما لما هو محلي ، إلا من رحم ربي سواء من الكُتَّابِ أو القُرّاء، في حين ألم المثقفون المشارقة بكل كتابة جزائرية، حيث كان المشارقة أول من ترجم كتابات الفيلسوف الجزائري مالك بن إلى اللغة العربية، في منتصف الثمانينيات بعد أن أشاد بها بعض مفكري الحرمة الإسلامية في مصر وسوريا، وشكل المتأثرون بفكر مالك بن نبي اتجاها " انتلجنسيا"، وليست هي المرة الأولى التي تطرح فيها هذه القضية على بساط البحث حول دور المثقف والنخبة الثقافية في المجتمع الجزائري وفي حركة التغيير بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية،  ومن يتجول في المكتبات العمومية يقف على أن كل الكتب الفكرية التي تعرض مستوردة ولباحثين من خارج الجزائر وتلقى اهتماما كبير من قبل المتعطشين للقراءة من الجزائريين (لقراءة ما يفكر به الرجل المشرقي إن صح القول)، لدرجة أن بعض الباحثين في الجزائر يلجأون الى حيلة وهي نشر كتاباتهم بمطابع خارج الجزائر لجلب انتباه القارئ الجزائري الذي اعتاد أن يقرأ اسم المطبعة ودار النشر وهو يتصفح الكتب في المكتبات العمومية، مبررين حجتهم بأزمة النشر، وباستثناء ما تطبعه مراكز البحوث الجامعية، فعادة ما يفضل الباحثين الجزائريين في طبع كتبهم بدور نشر ببيروت أو مصر، ولا نجد مثلا كاتبا جزائريا طبع كتابه في دور نشر ليبية أو مغربية أو حتى في دور نشر تونسية، وهذا ما يدل تأثر الجزائري بالمثقف المشرقي، حتى السنوات الأخيرة أين بدأنا نقرأ شيئا فشيئا عن دور نشر جزائرية مثل دار هومة ، دار قرطبة ودور نشر أخرى..

و يختلف الكثير من الكتاب في دول المغرب العربي مما يكتبه المثقف المشرقي الذي يرى أن للنخب الثقافية دور أساسي في ارتقاء الوعي الاجتماعي لدى الجماهير، وبالتالي في مسارعة عملية التطور والتقدم وفي جميع المراحل، لأن النظرة الجديدة للوطن والمجتمع والدولة تغيرت وتغيرت معها المواقف ، حيث أصبح الإنسان اليوم يعيش عهد الثورات العربية ويطالب بالربيع العربي، في وقت أظهر المثقف عجزه عن إيقاف نسمات هذا الربيع الذي حول النسمات الى سحب وغيوم أرادت لها الأنظمة أن تكون وتقوم على أسس طائفية عسكرية، ولهذه الأنظمة تأثيرها الواضح على وعي الناس واختيار من يمثل مصالحهم الوطنية ويخدم هذا المصالح في مواقع الحكم، ويكفي الوقوف على الانتخابات الرئاسية في الجزائر وانقسام كوادر الدولة الى أجنحة متناحرة وظهور حركات التمرد تحت أسماء عديدة، شاركت الطبقة المثقفة في هذا الزحف بما فيها "الإعلام" الذي لم يكن حياديا.

و للمرة الأولى يخرج بعض الإعلاميين إلى الشارع ويعبرون عن موقفهم السياسي، وكأن تلك المساحات من الورق التي يرسمها الحبر أضحت ضيقة ولا تسع للتعبير عن رأيهم، من أجل الخروج من حالة الانكفاء السلبي وفي فترة يتهالك فيها الحراك السياسي ويختنق في إطار أزمة شاملة، ويمكن القول أنه إن كان في الجزائر كتاب، أدباء، شعراء وفنانين، باحثين أدرجوا في قائمة المثقفين، فأين نجد "المثقف". وهل كل كاتب أو أديب أو فنان أو طبيب أو مهندس أو رياضي هو مثقف؟ وهل يوجد ضمن الطبقة المثقفة مفكرين بكل مفاهيم "الفكر" يكون لهم دور أساسي في " التغيير" وإيجاد البدائل الكفيلة لإخراج المجتمع النفق المظلم، فما يلاحظ أن الكل يتدخل في الكل، فرجل السياسة يتدخل في الثقافة ، والرياضة وفي مجال غير مجاله، كما نجد رجل الثقافة يتدخل في مجال خارج اختصاصه ونسي دوره في تعميم الفكر والوعي، وهذا ما جعل عملية "التغيير" لا تشق طريقها في الاتجاه الصحي.

وهنا يطرح السؤال الحاد من المسؤول عن ضياع المثقف في الجزائر وجعله خارج سياق التاريخ؟،  كما يبقى السؤال يطرح نفسه بنفسه هل الثقافة هي قصيدة تكتب ومقال ينشر في جريدة أو مجلة، هل الثقافة هي أن تحضر مائدة مستديرة وتناقش فيها مختلف القضايا المطروحة للنقاش، او تكون لك كتب مكدسة على رفوف مكتبة، أو أن تشاهد عرضا مسرحيا على خشبة مسرح ، أو تستمع الى فرقة موسيقية أو مغني، فعادة ما نسمع عن قدوم مغني مشهور وتحدد الجهة المنظمة تذكرة الدخول بمبالغ خيالية، في وقت يتطلب فيه البحث عن برنامج يشكل الذوق العام وتوجيه فكره وتعكس ملامحه الخاصة ، وإذا قلنا أن الثقافة نعثر عليها في المسارح وقاعات السينما والحفلات، فإننا نحولها الى مشروع تجاري نستنزف به جيوب الجمهور المستهلك ، الثقافة هي أسمى من كل ما ذُكِرَ، وهي ليست وسيلة لإنتاج يُسَوَّقٌ ويُدِرُّ أرْبَاحًا.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم