أقلام حرة

حين يبلغ السيل الزبى

emad aliلقد وصلت تركيا حد الهلوسة في ادعاءاتها السياسية وما تعلنه من المواقف ازاء القضايا الهامة لديها من جهة وتعاملها مع الامور التي تعتبرها استراتيجية لها وللاخرين  بانتقائية وتدعي ما لم يقبله العقل من جهة اخرى .

لا نتكلم عن ما تصر عليه تركيا بانها لم تتجه نحو الدكتاتورية وتريد ان تبريء عنقها من التوجهات الخطرة لاردوغان بطرق شتى سواء بارشادات واشرافه  بنفسه لحين ينتهي من لعبته المتعددة الجوانب في سياساته الخارجية التي استهلها بلفت نظره نحو  الشرق وروسيا بالذات لدواعي سياسية واقتصادية، ولم تعلم بان ما هو على كاهلها وعليها ان تؤديها  هو من الضرورات لدى حلفاءها ولم تفكر في المشاريع الاستراتيجية التي تضرب في عمق المصالح الامريكية ان لم ترفع يدها عنها، وهي تعلم بناه لا يمكن ان تعبر دون ان تكون لها افرزات قد تودي في نهاية الامر بحكمه او يضطر مخنوعا الى التراجع الكامل عما بداه ويخسر ومعه بدله ايضا من جميع الجوانب . انه يراوغ داخليا ويناور مع الكثير من دول العالم حول ما يهمه في تحقيق اهدافه الخاصة من اجل فرض ما بحوزته من التوحهات الدينية رغم رفضه لما يمكن ان يُقال بانه يسير بتركيا ونظامها الى الاسلمة اعتقادا بانه الطريق الذي  قد يبرزه ويتمكن من الوصول به الى الامبراطورية، وحقا انه يتخبط ولا يعلم  كيف يتعامل مع المواضيع ذات الاهمية لدى الشعب التركي ومصلحته في كثير من الجوانب ومع ما يتوافق مع مصالح حتى حلفاءه .

يقتضي ما دخل فيه اردوغان ان يغير من لون جلده كالحرباء سريعا كما يفعل وهو يغول في تغيير مساره سواء من اجل اعادة توجيه سياسات امريكا نحو بلاده بشكل يرتضيه او تراجعه عن عملية السلام الداخلية وهو يشن حربا دون هوادة على الكورد ويتعمد في تغطية ما يجري بحركات بهلوانية خارجية لتغطية ما يفعله داخليا سواء تحركاته بادعاء الانقلاب الفاشل او محاربة الكورد بكل السبل .

على الصعيد الخارجي وعلاقاته وكيفية تغيير توجهاته ومساره، لا يعلم اردوغان جيدا بانه لم تصل تخرصاته وتلاعبه بالامور لدى امريكا والدول الغربية ذات المصلحة في الشرق الاوسط لحده غير المقبول لحد الساعة، وانهم يتعاملون معه كاحد اعضاء الناتو ولازالت تركيا البلد صاحب الموقع الاستراتجي الهام لديهم ولم تصل الحال الى اقرار احلال البديل الافضل عنها، ولكن اردوغان يدفع الى تغيير موقفهم بسرعة اكثر مما نتوقعه .

لو تابعنا ما يدعيه اردوغان وقيادة حزبه العدالة والتنمية بشكل دائم من انهم لم يدفعوا الدولة التركية الى الاسلمة في نظامها ومسيرة شعبها، فاننا نتيقن بانهم يدعون ما لا يفعلون او يقولون عكس ما يفعلون وافعالهم دليل على عكس ادعاءاتهم منذ الاستفتاء على تغيير الدستور وتاطير وتحويل كافة السلطات الى شخص اردوغان واخرها تبعية المخابرات اليه شخصيا وتصفية حساباته معها لتكون الة بيده، والادهش انه لم يعترف بعد بدكتاتوريته .

الحجج التي يعلنها اردوغان وحزب العدالة والتنمية دوما على انهم لم يدخلوا البلاد في نفق اسلمة البلاد هي؛ ادعائهم بانهم تواصلوا في تفاوضهم مع الحزب العمال الكوردستاني (الشيوعي ) لديهم من اجل بسط السلام في بلادهم، وهذا ليس بمبدا يمكن ان يعتبر ان البلاد لم تتوجه الى الاسلمة لكون الخطوات في هذا المسار تكتيكية صرفة لا يقصد اردوغان ان يشارك الشيوعية او اليساريين في ادارة البلاد، والا فان اليساريين الحقيقيين موجودون ضمن الاحزاب والتنظيمات التركية ولا يدير هذا الحزب وجهه اليهم بل يضايقهم، وكان التفاوض ليس على  نوع النظام وماقد يؤدي الى اسلمة البلاد مع الحزبة العمال الكوردتساني الذي توقف اصلا على كيفية التوصل الى حل للقضية الكوردية، وليس لنوع النظام اي دخل في المفاوضات التي انقطعت وانتهت منذ مدة طويلة، وما يسير به اردوغان من استغلال الوضع من اجل اسلمة البلاد في حال استمرت المفاوضات او انقطعت كما حصل .  والحجة الثانية لديهم هي عدم دخولهم في رحى المنافسات والصراعات او الحروب المذهبية الدائرة في المنطقة كما يدعون لفظا، وانما هم يسلكون طريقا هي في عقر دار المذهبية بكل ما تملك هذه البلد من القوة سواء  بسياساتها الخارجية او رعايتها للتنظيمات الاسلامية ودعمها لهم سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لا بل دخلت في الاشراف عليهم وتوجيههم بشكل مباشر وفق مصالحها الضيقة ايضا، الا ان تركيا فشلت في كثير من خطواتها في هذا الجانب . ان بعض الخطوات التي تتخذها تركيا ولم تدخل في قائمة اسلمة البلاد فانها تتخذ كخطوات براغماتية ليست الا، وتكون في اتجاه تحقيق ما تريده كي تعبر المرحلة الصعبة والمعقدة التي تمر بها المنطقة . والحجة الاخرى هي بقاءها على العلاقة المتينة مع روسيا على الرغم من حربها في القرم وسوريا، ولا تعلم بانه ادعاء في غير مكانه لانها ابقت على علاقة مع  روسيا وقوتها كنتيجة لما دارت وسارت عليه المعادلات وما سلكته  امريكا من السياسات التي كانت تركيا تعتبرها لغير صالحها وارادت ان تغير ما سارت عليه بهذه العلاقات وان تغير وجهة امريكا، وانما لم تكن الخطوات استراتجية او بعيدة عن ما تفعله من اسلمة البلاد . وتدعي محاربتها لداعش، بينما كل المؤشرات تدلنا على انها كانت من اهم الاطراف التي يمكن تنبني  وتدورالشكوك حولها من قبل المتابعين على انها هي وراء داعش وحركاته وحادثة البدلوماسيين الترك في الموصل خير دليل على نظرة داعش لتركيا وتعامله معها على ارض الواقع .

ان المعضلة الكبرى لازمة العلاقات الخارجية التي تعيشها تركيا وتريد بكل ما لديها من اعادة عقارب الساعة لما كانت عليه من المكانة في العقود الماضية، المعضلة هي توجهات اردوغان وتركيا الخاطئة بنظر الغرب من كافة النواحي, والسياسة الداخلية وتوجهاتها المشكوكة وطموحات اردوغان وتعامله مع القضايا وهي فقدت مصداقيتها التي تعتبر اهم العوامل لبناء العلاقات المتينة، فان تركيا اصبحت ترقص مع كل لحن وتريد ان تسير بما يمكن ان يعيدها الى ما كانت عليه على الاقل من الاهمية والثقل، ولم تحسب الحسابات الدقيقة للمعادلات والتغيراتها الجذرية في المنطقة وبما فعلت بعيدا عن المعقول ولم تنسق في عملها مع راعيها القديم الجديد ولم تحترم مكانتها كعضو في الناتو وتصرفت وكانها خارج سربه ومن خلال الخطوات التي خطتها ازاء التغييرات التي حدثت في منطقة الشرق الاوسط وعدم اتقانها اللعبة لضمان المصالح للمتحالف معها، بل وقفت ضدها في اكثر الاحيان وتعنتت في كثير من المحطات، واوصلت حالها الى ما هي عليه من الضلالة كما هو المعلوم .

سلوك تركيا غير الطبيعي احيانا ادت الى ابتعادها عن ما تاملته من دخولها الاتحاد الاوربي واتخذت قرارات وفعلت ما لا يمكن تقبله داخليا في سير سياساتها بما لا تتوافق مع معايير الدول الاوربية من الديموقراطية وحرية التعبير والتعددية واسعتجلت على فرض ارادتها واتخذت من التوجهات والخطوات ما لا تعيد اليها مصداقيتها بعد الان، ومن اهم المواضيع التي لم تنجح في ادارتها بشكل سليم هو تقدير موقعها كعضو في الناتو والتراوح بين الشرق والغرب في علاقاتها الخارجية الاستراتيجية التي لا يمكن ان يغض الطرف عنه من قبل الغرب وامريكا بالذات عدا فشلها في لاسياسة الداخلية . واننا نتابع ما تشتد عليه تركيا في هذه الايام من اللعب على المصالح الاقتصادية وتغيير ما كانت عليه مع روسيا وتقوية علاقاتها الى مرحلة متقدمة يمكن ان تضرب في عمق المصالح الغربية الاوربية كانت ام الامريكية وبالاخص في شان الغاز والمشاريع الكبرى التي تعتبر القشة في قصم ظهر البعير في العلاقت التركية الغربية، وانها لا تلعم ام تعلم وتريد السير على غيها في تعاملها مع ما يحدث، وانها يجب ان تعلم انه قد بلغ السيل الزبى وسوف تصطدم مع مواقف غربية قاسية لو تخطت الحدود التي رسمته امريكا والغرب لها على الرغم من تعنتها لحد الساعة وتتصرف وكانها لا تبالي بما يحدث وتتعامل مع ليونة تلك البلدان وكانهم امام امر واقع فرضته عليهم تركيا بسلوكها وسياساتها، وانها لم تعتبر من الدول والدكتاتوريت التى سارت بما لا تشتهي السفن عندما جاءت لحظة الحقيقة ونعتقد بانه جاء الوقت الذي يفرض القرار الحاسم نفسه، وعنده لا يفيد الندم.  ويجب ان لا ننسى بان تركيا ذات اهمية كبرى لامريكا ويمكن ان تسير معها الى نهاية المطاف بكل ليونة، وكذلك تركيا  من جانبها تعلم ان مسار التاريخ قد فرض امورا عليها دخلت المصالح في عمقها ولا يمكن تغييرها بسرعة كذلك . 

 

عماد علي  

 

في المثقف اليوم