أقلام حرة

الهاتف والمسج والمنافي الانتقالية

akeel alabodكنّا ايام زمان في المنافي الانتقالية، اي الدول العربية، التي منها دوائر الهجرة المختصة باللجوء تقوم بترشيح العوائل المهاجرة عن طريق مكاتب الامم المتحدة، الى دولة هنا، واُخرى هناك، ذلك بحسب نوع ال case، هذا بصرف النظر عن الذين كانوا يبحثون عن طرق سفر اخرى بفيزا، اوطلبية، اوجوازات سفر، يتم تجديدها عن طريق مكاتب المعارضة الخاصة بالأحزاب، وهذا ليس موضوعنا، لأن ما يرتبط بحديثنا، هو اننا كنّا ننتظر نتائج القبول الى دول اللجوء المختلفة، برغبة محمومة، وبشوق مثل شوق علاقتنا بنتائج امتحانات البكالوريا ايام زمان-

حيث بحسب المعدلات، يتم قبول هذا الطالب، اوذاك في كليات الطب، اوالهندسة، أوالصيدلة، أوالمعاهد العلمية المختلفة، بإستثناء حالات القبول المرتبطة بمعاهد المعلمين، وكليات التربية، والتربية الرياضية، واكاديمية الفنون، المخصصة لطلبة حزب البعث، والاتحاد الوطني، حيث المقبول فيها يعرف مكانه مسبقا.

المهم، هو ذات الشعور الذي كان يراودنا مع حالات القبول الجامعي، حيث وفقا لنتائجه، نفارق محافظاتنا، نغادرها الى محافظات اخرى كبغداد، والبصرة، والموصل، والعمارة، والجامعات التي تستقبلنا، وما يرافق ذلك من أمور السكن المتعلقة بنظام القسم الداخلي.  

ومثله من حيث المشاعر، كان يحصل مع نتائج الترشيح الى هذا الوفد، اوذاك، حيث الكل تراه منصرفا لانتظار نتيجة اختياره، الى دولة ما من دول اللجوء، فمنهم من يتم اختياره الى الوفد الكندي، ومنهم الى الوفد الامريكي، اوالاسترالي، وهكذا.

اما رباط الكلام، وعلاقة الامرين بذلك،  فموضوعه يعود الى فرحة القبول، والترشيح وعلاقة هذه الفرحة بالهاتف، الذي ينتظر من صاحب الامر؛ اللاجئ، اوالمغترب، أوالطالب كلمة يفرح لدى سماعها الآخرون.

آنذاك، لم تكن قد وصلت بعد خدمات الفايبر، والوتسب، ولم تكن قضية الفيس بوك قد تم اكتشافها.

 كنّا نذهب الى مكاتب الهاتف، ونسمع الرنين، حتى في غضون الفترة تلك، ايام البدالة المركزية، التابعة لوزارة المواصلات في بغداد، حيث كابينات الهاتف، وارقامها بعد تسجيل الطلب لدى الموظف المختص.

دقات قلوبنا كانت تقفز بانتظار اللحظة التي نستمع فيها الى أصوات اهلينا؛ امنا ابانا، شقيقتنا، شقيقنا، جيراننا احيانا، اوبعض المقربين، المهم هذا الكلام كان قبل السقوط، اي قبل خدمات الفايبر، ايامها كانت اسارير الفرح تجعل الواحد منا كأنه قد حقق لقاء مهما مع أهله وذويه عبر سماعة الهاتف،حيث الانتقال الصوتي الذي

كان يكلف في في دول المهجر ما يقارب سبعمئة ليرة سوري، اوربما اكثر، اواقل بحسب مدة المكالمة، دون الاكتراث لقلق المراقبة الأمنية.

اما بعد السقوط، اي بعد انتشار خدمات الفايبر، والمبايلات، فلم يبق من مشاعرنا، إلا  تلك الحاجة الى المكالمات التي أصبحت شبه معدومة، حيث صار من السهولة ان يتصل المغترب مع الشخص الذي يرغب الاتصال به، عن طريق الفايبر، وبشكل ممل، وبالتالي جعل من رغبة الاشتياق الى الأهل اصرة معدومة تماما، وغير قابلة للتفاعل مثل ايام زمان.

 فالمسج وارسال بطاقات الزهور، وكتابة الأمنيات، حلت محل ذلك الحنين، الذي كان يعيش في دواخلنا، يطوقنا بأسوار محبته، التي كانت عروقنا تنزف لهفة اليه.

الرسالة الالكترونية  أصبحت  وسيلة لاسقاط واجب اجتماعي، وليس حاجة روحية تنتاب مشاعرنا،  تجتاح كياناتنا النفسية، والوجدانية، وتسوقنا بأجنحة الحنين الى الأهل والأحبة، ما ال الى سقوط آلهة الشوق، التي كانت تنمو في دواخلنا، تستفزنا، لعلنا نستجيب لطقوس ارادتها المقدسة.

 

عقيل العبود/ ساندياكو   

 

 

في المثقف اليوم