أقلام حرة

خرافات وخزعبلات

ما اكثر الخرافات التي تراكمت لدينا عبر تاريخنا الطويل وظلت تعشش في العقول وتلقى بظلالها الكثيفة على سلوك البشر وعلاقتهم في المجتمع، فلدينا خرافات ترسخ للاعتقاد بوجود كائنات لا وجود لها كالجني والعفاريت، وخرافات العرافة والتنبؤ بالغيب كالتنجيم، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، وخرافات السحر والتعاويذ كالعمل، والربط، والتحجيب، وخرافات المس ، وتحضير الارواح، وخرافات الكرامات والقدرات الخارقة للأولياء والدراويش.. والعشرات وربما المئات من الخرافات الأخرى.

ومصطلح خرافة يطلق بصفة عامة على كل معتقد او ممارسة تتبع من الجهل او الخوف من المجهول او الايمان بوجود القدرات الخارقة التي لا تفسير لها ولا سند لها من العلم.

ان اكثر هذه الخرافات الذائعة توجد اصولها في معتقدات شعوب اخرى، انتقلت من الاديان الاخرى ونسبت للاسلام ظلما وعدوانا، فهناك مثلا كرامات التي تعزى لبعض الأتقياء الصالحين كالشفاء من المرض او الرزق ، حيث ترى الناس يزدحمون على القبور لطلب الحاجه والرزق لا للزيارة.وكلها خرافات يسهل على العقل المسلم رفضها لو احتكم الى تعاليم دينه، حيث يوكد الفقه الاسلامي على ان الاعتقاد بأن عبدا من عباد الله يخلق، او يرزق، أو يقدر على ما يقدر الله عليه، فهو مغال مشرك نجس، لايؤاكل، ولايزوج، ولايورث بالاتفاق.(1)

وتتنافى هذه الخوارق المزعومه مع مبدأ الاخذ بالأسباب الذي اقره الاسلام، وكذلك كونها لم تعهد من رسول الله ولا من اخيار الصحابة والتابعين، فكيف تعهد ممن هم دونهم بمراحل في مراتب التقوى والورع والقربى من الله.

ولعل من ابرز الخرافات التي تربط جهلا بالدين خرافة الحسد؛ وهي في اصلها خرافة مصرية قديمة تعود الى العصور الفرعونية، حيث نجد العين الشريرة مصورة على الجداريات المصرية القديمه. لكن العامة ربطوا الحسد بالإسلام لكونه مذكورا بلفظه في القران الكريم، إن الحسد المذكور في القران إنما معناه تمني زوال نعمة الغير، وهو معنى يؤكده معجم ألفاظ القران (حسد: كره نعمة الله على غيره، وتمني زوالها وقد يسعى لإزالتها) فالأمر مقصور على التمني أو قد يتعداه الى مجرد السعي بالكيد والواقعية وإثارة المشاكل والعدوان، ومن ثم فالحسد المشار اليه في الاية الكريمة من سورة الفلق (ومن شر حاسد إذا حسد) هو الشر الناجم عن الحقد والغل وما يترتب عليهما من الكيد والسعي للأذى، وليس الشر الناجم عن قوى سحرية خارقة تختص بها عين الحاسد، او عن صواريخ فتاكة تنطلق من منصات إطلاق موجودة بداخلها!! وكل ما في الامر أن المصادفات التي تقع في الحياة اليومية هي التي تؤكد هذا المعنى الأخير في اذهان بسطاء العقول وتجعلهم ينسبون الى الحاسدين قوى أسطورية لا يملكها إلا الخالق سبحانه وتعالى.

وقد يقول قائل: ما الذي يضير المجتمع حين يعتقد البعض بوجود الحسد بمعناه الذائع بين البسطاء؟.. إنه فولكلور!! وهذه نظرة خاطئة، فالاعتقاد في الحسد شر مستطير لأنه قد يعكس مجرى حياة الكثير من الناس ويدفعهم الى التخلي عن حياة ناجحة او عن تحقيق مكسب مؤكد والركون الى الخمول وإيثار السلامة بعيدا عن شرور الحسد!! كما قد تؤصل خرافة الحسد الكراهية بين الناس؛ إذ من الطبيعي ان المرء سوف يكن أعمق مشاعر البغض لمن يعتقد أنه حسده، وقد يسعى للانتقام منه دون ذنب جناه! وتلك هي الكلفة الباهظة للإيمان بالخرافة!!

 

احمد حامد

...................

(1) فقه الامام جعفر الصادق .محمد جواد مغنية ج1 ص20

 

 

في المثقف اليوم