أقلام حرة

ليس بذنبه ان لم يحس بانه وطنه

emad aliشاهدته وهو يجمع بقايا فتات الاغذية  والقاذورة التي تركها السياح حال انتهائهم من سفرتهم العائلية، وعز عليه البقعة الجميلة من الجبل والواحة الخضراء فاراد ان يبقى المكان نظيفا كما يريد وهو شيخ طاعن في السن او فرض عليه ما يعقتد ويؤمن به على موقفه الوطني المدني الجميل هذا . اعرفه منذ مدة ولم يعلم بوجودي هناك، وهكذا تابعته وتذكرت موقف معاكس جدا لافعاله ابان ايام الجامعة وفي وقت الشدة والتظاهرات . هذا ما شدني واثار فضولي كي اسال عما يجول في خاطره وخصوصا كنت زميلا له ايام الجامعة ولي علم بما كنا عليه في ايامه، وهو لم يكن حريصا على البلد الذي ينتمي اليه كهوية ورقية رسمية وليس احساسا بالانتماء الحقيقي وما كان المفروض عليه من ادائه لواجباته وحقوقه، وتذكرت ايام الجامعة التي درسنا فيها بالتفصيل وخصوصا اثناء لحظات الغضب وردود الافعال الشبابية ابان التظاهرات التي حدثت في اصعب ايامنا، ولمح امام عيني لحظة انفعل فيه هذا الاخ الشيخ اليوم وكسر كل ما تلقاه اماه حتى من الكلية التي كان يدرس فيها، وسالته عن الفروق الجوهرية بين ما كان يفكر ويعمل ويؤمن به في حينه وما فعله اليوم من جمعه لقاذورات الاخرين والشيب فعل فعلته في جسمه وشعره . قال احب كوردستان عقلا وروحا واحس انني انتمي اليها بكل ما انا فيه وبكياني القائم على تارخي وبدني، ووصلت لعمر لست من الطائشين وعمري وتجربتي فرضت علي ماهو الواجب وانا الان لست في موقع وعمر وعقلية ان تكون افعالي وفق ردود افعال في ساعته، بل هدات من روعي وانفعالاتي والزمن زاد من تجربتي الخاصة واتسع افق تفكيري وانظر لهذه البقعة كما هي غرفتي في البيت، وانت شاهدت ان هؤلاء الذين كانوا هنا قبل ان يطلقوا رحالهم لم يهتموا بما يفعلوه ولم اقل لهم بما تركوه ولكنني اعتقدت ايمانا راسخا بانني من يجب ان يرفع هذا، وانت يمكن علمت انهم كانوا من اهل الجنوب او الوسط العراقي واعتقدت بانهم اما مهملين ولم يصلوا لما يجب ان يحسوا به ازاء المكان الذي قضوا فيه اجمل ساعاتهم او هكذا هم من يعكسوا ما تربوا عليه، والا هم ليسوا على الاحساس الذي كنا فيه في ايامنا لانهم لم يتلقوا اي افعال مشينة من قبل كوردستان بل هم سائحون وكان بعض منهم في اعمارنا ويمكن انهم تلقوا ايضا الضيم من الدكتاتورية ايضا ان لم يكونوا من ازلام النظام السابق، وقالها وهو يشهق ضحكا؛ ان لم يكون ربما فيهم من هؤلاء بانفسهم من فعل بنا من قبل ما فعلوه واليوم يعيدونه بهذا الشكل وبالطريقة التي شاهدت . ثم اردف قائلا؛ لالك شيئا اننا ايضا لسنا بمثاليين وهناك لحد اليوم ومن لا يؤمن بالوطن ولم يعرف ماهيته وما عليه ازاءه، وحتى  نحن ايضا لم نكن مثاليين اضافة الى ما كنا فيه من الاغتراب وعدم الاحساس بامتلاكنا لوطن ننتمي اليه وعلينا واجبات كما لنا الحقوق عليه، وكان جل ما نشعر به الوقوف ضد كل ما تتطلع اليه الحكومة الظالمة التي فرضت علينا المشقة في شبابنا ولم نحس بعمرنا، وحتى انا اتذكر في سفراتنا نفعل كما فعل هؤلاء ولكننا مع ذلك كان لدينا نظرات وتوجهات سياسية مخالفة وانت تعلم نعتقد بان حتى الارض التي كنا نسير عليها هي ملك الحكومة ونبني مواقفنا على ذلك، وفعلنا مافعلناه في تظاهراتنا السياسية  الشبابية في الجامعة . واليوم على الرغم مما انا فيه من عدم الرضا لما نعيش فيه ونراه من الوضع السياسي الاقتصادي الا انني اعلم هذا ذنب الاحزاب والقيادات السياسية والحكومة وليس للوطن اي جرم لما يحصل، وعليه يجب ان نميز بينهما ونتخذ المواقف المختلفة ازاء كل منهما، فالوطن باق والحكومة  والاحزاب زائلة .

هذا ما قاله الشيخ الطاعن في السن وعلمني درسا واحسني بان الاحساس بالانتماء لم ياتي بشكل فجائي او بالقوة مهما كانت الظروف، انه شعور عفوي ينبع من الايمان او النظرة الى الموضوع كما هو حال الحس بالانتماء الى اي كيان .

هكذا دخلت في عمق التامل والتمعن في الفعل ورد الفعل وحسابات العمر والانتماءات والعقيدة والفكر والعوامل التي تدخل في خانة التاثير على الايمان بموضوع ما وبالاخص ان كان عاما. عندما يدعي الحاكم السائد بان البلد للجميع وعليهم الواجبات ولهم الحقوق، ليس هذا سهل ان يسود في عقلية الجميع بمجرد جرة قلم او بكلام نظري نابع من المصلحة او من واقع المتحدث بل انه احساس داخلي يبنيه التفاعل مع الواقع والتعامل معه وفق الايمان الذي يمكن ان يفرض عكس الصحيح في احيان كثيرة، والا التعامل مع ممتلكات كليتك بقسوة وانت تدرس فيها وتريد ضمان مستقبلك العلمي والعملي شيء نابع عن دوافع كثيرة واولها عدم الاحساس بالانتماء الحقيقي لاسباب سياسية اجتماعية تاريخية معلومة، والتعامل المعاكس من جمع بقايا قاذورات من اتوا من وسط او جنوب العراق احساس معاكس تماما ونابع بعمق الايمان والانتماء المدني والحب للموقع كبقعة من الوطن الذي يفرض الاحساس بالانتماء اليه من خلال مسيرة الحياة والعقلية والتوجه السياسي والعقيدة والمواقف اليومية من حياة الانسان، وعلى ذلك يمكن ان نعمم بان اكثرية الكورد لم يحساو بان العراق بلدهم انتماءا نتيجة لما ذاقوه من الويلات على ايدي حكامه واربتط الوطن بالحكومة وامتزج في عقلية المواطن الكوردي واعتقد بانهما وحدة واحدة لانه لم يلمس ما يمكن ان نعرفه بالمواطنه والواجبات والحقوق فيه  وكان يعيش وكانه في سجن كبير بعيد عن الحرية التي تبني كل تلك الاحاسيس الجميلة المنية فيها .

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم