أقلام حرة

ما هو داعش؟.. في كتاب للدكتور كاظم الموسوي

ليس بالامر الهين واليسير كشف اغوار تنظيم شائك بعناصر متعددة وتركيبة معقدة واهداف متشابكة. تحمل السياسي والعسكري والديني الطائفي كما هو عليه تنظيم داعش بسلوكه اللابشري ووحشيته التي فاقت التصور. فداعش هذه تمثل ظاهرة سياسية عسكرية ذات غطاء ديني. وغطاؤها الديني هذا لم يتمكن من اخفاء جوهرها و وتوجهاتها التي اريد منها خدمة المخططات الاستراتيجية الصهيونية الامريكية والغربية. وقد اكدت (اعترافات مسؤولين بارزين في تأسيسه ودعمه، مثل الوزيرة الامريكية هيلاري كلينتون وتصريحات خجولة لنائب الرئيس الامريكي جو بايدن، او نشاطات ولقاءات السناتور الجمهوري جون ماكين وغيرهم...). المؤلف ص5، أكدت جميعهامثل هذا التوجه في تأسيس هذه المنظمة الارهابية الدموية والادوار المناطة بها. والدور الاول الذي قامت بأدائه هو عملية التقتيل الوحشي والتشريد الهمجي لكتل بشرية هائلة اريد منه القضاء على أعداء المؤسسين لهذا التنظيم الخرافي، وبث الرعب في من يبدي أي عداء ظاهري او خفي لهم سواء كان فكريا طائفيا أو سياسيا عسكريا.والدور الثاني هو احتلال الارض اوسع ماتبلغه اليد لخلق المبرر في الاتيان بالعسكر الغربي والامريكي تحديدا لبسط النفوذ الجديد بعد القديم على الاوطان المغلوبة واستغلالها اوسع استغلال، ولهذا انشىء (التحالف الدولي "ضد الارهاب"، الذي تقوده الولايات المتحدة رسميا بمشاركة عربية رئيسية في تمويله وعملياته ومخططاته، التي لم تكشف علنا النوايا الحقيقية له بعد!.) ص7 . الا ان ظهور بوادرها كلا او جزءا اصبح باديا لعيان المراقب على ساحة الاحداث ومجريات الامور. اذ من خلال برقع " التحالف الدولي" تمكن الغرب وامريكا على وجه التحديد من الولوج من جديد الى العراق بعد انسحابها منه عند حكم اوباما. واستطاعت ان تبني المزيد من القواعد عند الشمال العراقي خاصة، لتكون على مرمى حجر من الارض الايرانية، ولتوفير الدعم المطلوب لمن يريد الانفصال من الكرد عند الضرورة نزولا عند رغبة الاسرائيليين بتمزيق العراق وتشتيته. ثم يأتي القصف العشوائى المتعمد الذي تعتبره الولايات المتحدة ،وقاحة ،بالنيران الصديقة او الغارات الخاطئة، انما يراد منه ارسال رسالة حادة بأن أحدا من الفرق او الفرقاء سيطاله العقاب بالصواريخ بدل العصا ان اراد ان يقف في وجهها او يمنعها من تحقيق اهدافها بما في ذلك الحاكمون المتربعون في السلطة، وهي رسالة لاثبات وجودها على الارض وسمائها، ودعوة بعدم الاتيان على داعش كليا ودفعة واحدة فالحاجة اليها قائمة والاهداف المرسومة ما زالت في الحسبان ولم تكتمل بعد

استطاع مؤلف الكتاب في تحليلاته العميقة للجانبين السياسي والعسكري لداعش من استكشاف كنه ومضمون هذه الظاهرة المثيرة للجدل والقاء الضوء على جوانب ومفاصل هذا التنظيم الهمجي تركيبة وتمويلا واهدافا يحققها وادوارا يؤديها، واعطاء صورة واضحة عن جوهرها ومجراها. وطالما ان الكتاب يتحدث عن ماهية داعش ووصفها، كان ضروريا تناول الجانب الثالث الا وهو الديني الذي يمثل الغطاء المموه للجانبين المذكورين. ولهذا العنصر الديني جذوره العميقة وعوامله المؤثرة. فالمعروف ان داعش كرديفتها القاعدة تتبنى الافكار الوهابية السلفية التي ألبست لها عن هدف وغرض، وان العائلة المالكة السعودية تتبنى نفس الافكار كآيديولوجيا لحكمها وسلطتها منذ ان تم التزاوج في اواسط القرن الثامن عشر بين توجهات زعيم الوهابيين محمد بن عبد الوهاب مع الامير محمد بن سعود متعاهدين على ان يكونا يدا واحدة في نشر الدعوة الجديدة ومكافحة خصومها ( الدكتور علي الوردي في لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الاول). وكان ذلك ايذانا بتحول الدعوة الوهابية من طورها السلمي الى الحربي. وفحوى هذه الدعوة هو الاستنكار لعقيدة الشفاعة والتوسل بالقبور وتكفير لاصحابها، والتوجه بدلها الى الله وحده دون غيره سواء كان الغير من الانبياء او الائمة. وهذا ما ظهر على اعمال داعش من تدمير عبثي لااخلاقي لقبر النبي يونس ولمظاهر التراث الانساني والحضاري والاثري في مدن العراق وسوريا

لقد اغدقت العائلة المالكة السعوديةالمال الوفير للدعوة الوهابية ووفرت الحماية لها مقابل قيام الاخيرة بكسب الموالين والانصار والمؤيدين لحكمها في كافة الاقطار والامصار ومحاربة المناوئين لها. ثم انتشر مبدأ التكفير وتوسع ليشمل اديانا كاملة وطوائف متعددة مشيعة الكراهية والحقد والارهاب ضدها. وعندما سارعت مملكة آل سعود بتوفير المال مباشرة لتنظيم داعش وهي قيد الانشاء كما اعترف بذلك بايدن، فان ذلك يصب في مصلحة العائلة المالكة في محاربة من قامت الوهابية بتكفيرهم من شيعة العراق وعلويي سوريا كما ومن اجل نشر هذا الفكر السلفي التكفيري في الجديد من بقاع الارض. وهكذا تتشابك المصالح الطائفية السلفية وهي انعكاس لمصالح الحكم والتسلط ، مع توجهات الهيمنة العسكرية الامبريالية والعنصرية الصهيونية وهي انعكاس لمصالحها الاقتصادية الاستراتيجية

ظهرت في طيات الكتاب العديد من علامات الاستفهام كما في ص 10، 14، 21، 22، 63، 84 عند أسئلة وجيهه صاغها المؤلف بحذاقة ودلالة تثير لدى القارىء التأمل البعيد والتفسيرات الذاتية بل والاستغراب المتمعن. غير ان القارىء المتعطش لمعرفة الحقيقة جاهزة والحصول على ما يروي ظمأه من تفصيلات الاحداث وجزئياتها ربما فاته ما كان يصبو اليه من اجوبة شافية ينهلها من معرفة الكاتب الغزيرة حول هذا البحث، لذا كان حريا بالمؤلف ان يجود على القارىء باليسير مما لديه

يتساءل المؤلف حول التسهيلات لداعش (من وفر له التسهيلات ودعمه بشتى الوسائل من الممر والمقر والدعم المالي والاعلامي وغيره؟!) ص59. يبدو ان الاتهامات المتبادلة بين المملكة السعودية وقطر بدعم الارهاب والجماعات الارهابية تظهر الدليل القاطع بانهما الممول الاول لداعش والراعي له والرافد لافكاره وخططه العدوانية. متوافقين في ذلك مع شريكهما السلطان العثماني اردوغان، وهذا ما أكده نائب الرئيس الامريكي السابق بايدن في قوله ان دول الناتو هي التي انشأت داعش باموال خليجية وتدريبات وسلاح تركي

وما يتعلق بتساؤل حول متى ستجري محاكمة مشعلي ومجرمي الحروب العدوانية في المنطقة، لاتبدو لي في الافق اية ملامح لمحاكمة دوليةلهؤلاء المجرمين القتلة فالحاكم القاضي متواطؤ اصلا مع داعش ومساهم في خلقها وتسهيل وجودهاوتمددهاوسعيها الى تحقيق اهداف سيدها وخططه ومراميه المرسومة سلفا. غير ان للشعوب وفصائلها المقاتلة كلمتها الفاصلة، فهي وحدها من يمتلك القدرة والتصميم على أخذ القصاص وانزال الحكم العادل بحقهم.

 

ضياء مجيد / لندن

 

 

في المثقف اليوم