أقلام حرة

أبناء لا مجد لهم سوى صنيع الآباء

ali almirhigفاق بعض الأبناء آبائهم في العلم والثقافة وفي أصول الفقه والدين، وربما يكون هذا من مُقتضيات الحياة الطبيعية مما يرغب به الأب قبل الإبن. ولغريزة فينا نحن البشر، نفرح لتميز أبنائنا أكثر مما نفرح لتميزنا، أو لتميز أخوتنا الذين عانوا معنا شظف العيش، وشاركونا وشاركناهم في صناعة وتحمل الألم وصناعة الفرح،

وإن تكن هذه غريزة جُبلنا عليها نحن بنو البشر في حب الأبناء وبَخس جُهد الأخوان، إلّا أني أجد أن فيها خصاصة، وبعضٌ من خسة الغريزة، فربما يكون في أخوتنا وفي بعض من صداقاتنا الحميمة كثير من مزايا التفاني مما لا نجده في الأبناء لافي مِصداق تفانيهم ولا في تعاونهم.

فتباً لغريزة الحب (الحيواني) للأبناء، الذين نُعطيهم ونمنحهم تاريخاً صنعناه نحن بمساعدة أخوة لنا شاركونا الألم وغيروا تاريخ المعاناة بأفعالهم وحرصهم وتفانيهم، ليصنعوا ونصنع معهم تاريخ فرح.

فتباً للغريزة والفطرة التي تُفضل من إجتهد وجاهد، لنجعل حصاده لمن لا كد له ولا تعب، على قاعدة "يكد أبو جزمه وياكل أبو كلاش"، ونحن راضين مرضيين بأكل أبو كلاش (الإبن) لكد أبو جزمة (الأب والأخ)، والأب فرح بما يهب لولده الذي لا كد له ولم يتعب، لا في حرث وسقي ولا في زرع، لكن حصته في الحصاد مضمونة، وله في تعب أبيه وتفانيه، جنيُ وبيعٌ لثمار نتاج لا شغل له ولا عمل له سوى المحسابة والحساب في سعر الغِلة وجني ثمار زرع الآباء وبذرهم وسقيهم وقطف زهو أعمارهم، ليصنع زهوه هو.

قال الإمام علي (ع): "لا تُعلموا أبنائكم على عاداتكم، فإنهم خُلِقوا لزمان غير زمانكم". ولكن مشكلتنا في الشرق العربي أن كثيراً من الأبناء قلدوا سيرة وحياة آبائهم حذو النعل بالنعل، لا علم لنا وتفقه، بل قيادة وحيازة للتدين، وسياسة صنعها الآباء ليجعلوا منها تياراً كبيراً لرفض الإستبداد عبر تقديم أجسادهم وأنفسهم أُضحيةً في سبيل تحقيق مُبتاغهم في التحرر، وإن كان طريقهم هذا، على الرغم من صِدقية مواجهته، إلّا أنه صنع نسخةً مُشابهةً للنسخة التي عارضها، بل أمر وأقسى لأن النسخة الإستبدادية التي عارضها وتحمل وزر غطرستها، لم تكن لها حظ من التقديس اللاهوتي سوى ما صيره المتملقون، لكن النسخة الجديدة لها بعد تاريخي ومرجعي وثوري يسمح لها ولمريديها بتكثيف وتخليق البعد التقديسي لهذه الشخصية الذي صنع مجده الآباء بكد وعلم وعمل وتعلم، ليرثه الأبناء مجداً "حاضراً مُحضراً" وموروثاً فطرياً و مُكتسباً بصلة الدم والتناسل البايلوجي، لا بِصلة المعرفة والمرتبة العلمية والكفاح الثوري والجهادي المُستند على قدرة ثقافية ودراية حجاجية وكلامية وتبحر بأصول الفقه والدين وفلسفتهما عند الآباء.

لكن ما في الآباء من دراية وعلم وتبحر ليس شرطاً أن يكون من الملكات الموروثة عند الأبناء، ولكن ذلك كله لا يمنع شرعاً ولا قانوناً من توظيف الأيناء بعض أو كثير من إرث الآباء والأجداد لتحريك "الحس الجمعي" المُناصر لهذا الأرث ليكون في خدمة الإبن الذي لا حضور ولا تقدير ولا شأن وتأثير ولا علم له وتعليم لا في شروط الفقه وأصوله، ولا بسير الرجال من رواة حديث وتفسير وتعليل، فميزته أنه سليل عائلة لها تقدير لحسبها والنسب، فلا مجد شخصي له ولا صناعة يُتقنها، ولا دراية له بأصول الدين وبرواية الحديث بآحاده أو تواتره؛ ولا محبة له عند جمهوره في بداية حضوره في المشهد السياسي والديني ولا غواية، سوى غوايتهم بحسبه ونسبه، ولي في هذه النهاية ختم للكلام وخاتمة للحكاية.

 

 

في المثقف اليوم