أقلام حرة

مذكرات على ذمة التحقيق: الفقير

akeel alabodيوميا يحصل على رغيف خبز ساخن مع قطعة خضار، أوبعض من الفاكهة، يعقبها مواصلة عمله الذي لا يتجاوز الا مساحة مكانية، نقشت عليها بعض رسوم، تكاد ان تفي بقيمتها الاثرية، ضمن مساحة تجاوزت مدياتها سنوات.

اليوم بالنسبة اليه، مسارات تختلف نكهتها باختلاف  موضوعاتها، فالفجر غير الصباح، والصباح، غير الظهر، وغير العصر، وغير المغرب، والعشاء، وكل له صورة تختلف في الوانها ومذاقها.

نهاية الغروب كل يوم، وبعد الصلاة، موعد اكتمال الوجبة الغدائية المرتقبة، حيث جميع أصناف الطعام الخاصة بموائد الطبقة الفقيرة، تكون حاضرة، وبضمنها قدح الشاي المهيل الذي هو الاخر يحصل عليه بالمجان من صاحب المقهى، الحاج ابو مزعل، مرتين؛ الاولى، عند اول الصباح، والثانية، حينما يهم بتنظيف متعلقات العدة الخاصة بدكانته الصغيرة،  بضمنها أباريق السماور.

جميع ما يحتاج اليه من الطعام يحصل عليه من صاحب المطعم القريب الى مقهى حجّي عبد الرزاق، كونه دائما يحضر ذلك اكراماً، ومحبة دون أشعار الرجل بالمنة اوالصدقة.

المنام، الزاوية الصغيرة الكائنة عند نهاية العمارة السكنية، أسفل الطابق الأخير، والتي تعود في ملكيتها الى صاحب الفندق الكبير، الحاج نعمان، وهي تشبه غرفة صغيرة، غير خاضعة لشروط الإقامة السكنية، والايجار. 

الفراش، قطع كارتونية، وضعت بتأنٍ تحت بساط، ووسادة ربما تفي بالغرض، وملحف رطب احيانا.

في الصباح، الحمامات والمغاسل العامة التابعة الى بلدية اوامانة الحضرة، يتم استخدامها من قبله، لقضاء حاجته.

الأعياد والمناسبات الدينية، بالنسبة اليه، عبارة عن زيارات وطقوس خاصة بمراقد الأئمة، والصالحين، اضافة الى اختفائه ببعض الهدايا التي يجلبها، أويهديها فقط من يعرف طبيعته، كونه لم يكن ميالا، للمساعدات، أسوة بغيره من المحتاجين، الا من بعض من يعرفونه، ويعرفهم جيدا.

الطبيب، العيادة التي تقع قريبا من سوق الخضار، الأدوية، أكثرها لا يتجاوز العلاج المجاني فيها، حبات اسبرين، وبعض أقراص الفيتامين.

الأصدقاء، الحاج ابو صكبان النداف،الذي خصص له مكانا خاصا للضيافة، خاصة مع ايام الشتاء البارد.

المخبز القريب هو الاخر شمل برحمته الدافئة، ذلك الرجل الذي استطاع ان يفرض كرامته بناء على موهبته الجديرة بالاهتمام.

منجزه الكبير، عبارة عن قطعة صخرية من المرمر، استطاع ان ينحت من مادتها الحجرية، بعض النقوش الخاصة بايقونة تعود في تاريخها، ربما الى العهد القديم، عندما كان الفراعنة همهم، موضوع الاهرامات، ولذلك ذات يوم عرض عليه احد المتخصصين، فرصة للعمل، لكنه رفض ذلك، اعتزازا بشروط ابداعه. 

تاريخ علاقته بتلك الحجرة، يعود الى اكثر من عشرين سنة، لذلك ونظرًا لاهميتها كان يخفيها في بيوت احد المحبين، الذي هو الاخر، أعلن اهتمامه، برجل استطاع ان يثبت براعته تجاه فن به اظهر، مهارة، تكاد ان تكون قيمتها التاريخية اكبر بكثير من اولئك الذين سخروا حياتهم لشراء تلك القصور. 

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم