أقلام حرة

الآثار القطبية علي فكر الحركات الإسلامية

hasan zayedقد يظن البعض، ممن يتعاطفون مع الحركات الإسلامية، أن نسبة هذه الحركات إلي سيد قطب، فيها تجني، وفيها تجاوز للحقيقة . إذ لا صلة مطلقاً بين فكر سيد قطب، العالم الرباني، وفكر هذه الجماعات، التي حملت السلاح، ومارست الإرهاب، ونظَّرت له . في حين أن هذه الحركات الإرهابية، تنظر إلي سيد قطب باعتباره الأب الروحي لها، وأن قياداتها وأعضائها عيال عليه .

وأنا أميل إلي ما ذهبت إليه الجماعات الإرهابية، من أن سيد قطب هو الأب الروحي لها، وأنها جميعاً أكلت علي موائد فكره، وأن تنظيرهم الفكري، الذي انبني عليه منهجهم الحركي، هو في الأساس مستمد من فكر سيد قطب . وما زال هذا الفكر معيناً لا ينضب، تغترف منه هذه الجماعات، ما شاء لهم الإغتراف، عن قناعة ويقين، بأنه الفكر الصحيح . علي اعتبار أن سيد قطب، لم يقتصر دوره علي مجرد كونه مفكراً إسلامياً، كشأن بقية المفكرين، وحسب . وإنما امتد بتنظيره إلي المستوي الأعلي، وهو التطبيق الحركي، لمتطلبات هذا الفكر .

ولعل ما ورد في كتاب أيمن الظواهري : " فرسان تحت راية النبي " ما يؤكد ما يحاول البعض أن ينفيه، من أن سيد قطب قد انتقل من مرحلة التنظير، إلي مرحلة الممارسة . فعن مرحلة التنظير، يقول الظواهري في معرض الأسباب التي دفعت بعبد الناصر إلي أعدام سيد قطب : " لأنه أكد علي أهمية قضية التوحيد في الإسلام، وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه، هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول من يكون له الحكم والسلطان . لمنهج الله ولشرعه، أو للمناهج الأرضية والمباديء المادية . أو لمدعي الوساطة بين الخالق وخلقه . " وتلك هي النقلة الكبري، في فكر سيد قطب، إنها فكرة الحاكمية، وهي ليست فكرة نابعة من تفكيره، وإنما مقتبسة من فكر أبو الأعلي المودودي . أما عن مرحلة الممارسة فيقول الظواهري : " وكانت المجموعة الملتفة حول سيد قطب قد قررت أن توجه ضرباتها ضد الحكومة القائمة باعتبارها نظاماً معادياً للإسلام خارجاً عن منهج الله رافضاً للتحاكم إلي شرعه . وكان تخطيط هذه المجموعة بسيطاً فلم يكن لهدف تغيير النظام ولا لإحداث فراغ به، ولكنه كان يهدف فقط لتوجيه ضربات وقائية أو دفاعية أو انتقامية إذا خطط النظام لحملة تنكيل جديدة ضد المسلمين " . وهذه المجموعة القطبية هي ما عرف بتنظيم 1965م، الذي انتقل من مرحلة الفكر إلي مرحلة الممارسة لفكرة الحاكمية .

وقد يتساءل البعض عن دور سيد قطب هنا بالنسبة للجماعات الإسلامية، وهنا يبادر أيمن الظواهري ببيان العلاقة الجدلية بين الطرفين بقوله في ذات الكتاب : " فلقد كانت  وما زالت   دعوة سيد قطب  إلي إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الرباني  شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم " . ولاحظ معي مفردات إشعال، والثورة الإسلامية، وأعداء في الداخل والخارج، وفصولها الدامية . فكلمة إشعال والثورة لم يعرفهما الفكر الإسلامي، وأعداء الداخل والخارج يعني اتخاذ أعداء من الداخل علي قدم المساواة مع أعداء الخارج، بل إن أعداء الداخل أولي بالقتال من أعداء الخارج، لأن قتال العدو القريب أولي من قتال العدو البعيد، وهذا ما ظهر جلياً في الفقه الحركي للجماعات الإرهابية، وفصولها الدامية تعني شرعية حملة السلاح، والخروج علي الدولة والمجتمع، باعتبارهما أعداء الداخل الأولي بالقتال .

ويستطرد الظواهري، حتي يزيل أي إلتباس في الأمر، قائلاً : "ذلك الطريق الذي كان للأستاذ سيد قطب رحمه الله دور كبير في توجيه الشباب المسلم إليه في النصف الثاني من القرن العشرين في مصر خاصة والمنطقة العربية والإسلامية عامة " . وهذا يكشف بوضوح عن حقيقة فكر سيد قطب وطبيعته ومدي تأثيره علي الشباب المسلم، خاصة أن هذا الفكر قد صاحبه منهج حركي لسيد قطب وأتباعه متمثلاً في تنظيم 1965 م، كان داعماً للفكرة النظرية، وتنزيل لها علي أرض الواقع . وقد أفضي إعدام سيد قطب إلي نتيجة داعمة إلي أقصي حدود الدعم، للفكرة النظرية، ومنهجها الحركي، حيث أنها قد قدمت سيد قطب لهذا الشباب باعتباره عالماً عاملاً، قدم روحه فداءًا لفكرته، بغض النظر عن سلامة الفكرة وصحتها .

 بل إن سيد قطب نفسه، قد حدد موقفه وموقعه ، تحديداً لا يقبل الشك أو الريبة، في مدي نسبة الإتجاهات الإرهابية إلي أفكاره، حيث أورد الظواهري قوله : " إنه ليست كل كلمة تبلغ إلي قلوب الآخرين فتحركها، وتجمعها، وتدفعها، إنها الكلمات التي تقطر دماءًا، لأنها تقتات قلب إنسان حي . كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان، أما الكلمات التي ولدت في الأفواه، وقذفت بها الألسنة، ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي، فقد ولدت ميتة، ولم تدفع بالبشرية شبراً واحداً للأمام، إن أحداً لن يتبناها لأنها ولدت ميتة، والناس لا يتبنون الأموات " . وفي ذلك إعلان صريح لا يقبل المواربة عن أن الدعوة لا تكون مقبولة، ولا تجد مردوداً لها في القلوب، ولا مكاناً في دنيا الناس، إلا إذا كانت حروفها تقطر دماً سواء علي سبيل التصريح أو الإستعارة، وهذا ما نجده مسطوراً بدماء الضحايا علي جدران المدن التي تخربت وهدمت باسم الدعوة إلي الإسلام، واستلهاماً لفكرة الحاكمية، علي النحو الذي أطلقه سيد قطب، وعمل من أجله، وأعدم في سبيله .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم