أقلام حرة

منطق الحمار!!

sadiq alsamaraiالحمار حيوان ربما أذكى من البشر ولهذا فهو يتواصل ويعاصر ويكتب في ذاكرته مسيرة الأجيال، التي يخدمها ويساهم في تسهيل صعوبات حياتها، والحمار من أهم العناصر الحية التي أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية، ولولا الحمير لما وجد العمران ولا إنتشر الناس في أصقاع الدنيا، فالحمار هو الواسطة والوسيلة والقوة التي صنعت الحضارات عبر العصور السابقة لعصور الآلة والمحرك، فالحمار كان المحرك والداينمو لكل خطوة بشرية إلى الأمام، لكن البشر ينكر فضل غيره عليه ويدّعي غير ذلك وهذا من طبعه المشؤوم.

وبما أن الحمار هو أصدق شاهد على البشر وسلوكه، وجدت من الحكمة أن أحاوره عمّا يجري وسيحصل للخلق الذي يسخّره لقضاء حاجاته ونقل أمتعته.

فقلت للشاهد الحمار: هل أن الدنيا المعاصرة تسعدك؟

قال الحمار: أنا أسعد من أجدادي لأن أحمالي تناقصت، وأتمتع بقسط من الحرية كالبشر، لكن ذلك يزعجني أحيانا لأن البشر ربما سيتخلى عني، وهذا يعني أن المستقبل يبدو مبهما.

وأضاف : لكن مصيري مقرون بمصير البشر، وما يقلقني أن البشر في خطر!!

قلت: كيف رأيت ذلك؟

قال: البشر طبعه من طبعي، فهو يخنع ويخضع ويتبع، ويتم تسخيره لمشيئة فردية أو عقائدية أو فئوية، وأخذه إلى متاهات الوجيع، وقد حصل ذلك مرارا وتكرارا وما تعلم البشر أو إتعظ!!

قلت: وماذا تعني؟

قال: الحروب وسفك الدماء طبع بشري أو غريزة أو أنها نوازع متأججة فيه، تأخذه أفرادا وجماعات إلى أتونها وتبيده، وتهلك ما يدل على وجوده ويشير إلى هويته وإنجازاته، وهذا السلوك يتكرر وهو بحاجة لرأس حربة مجنون، فالبشر يتبع المجانين، ويذعن للأوهام ويدمن على مطاردة السراب، وكم أخذني معه في متاهات الضياع والخسران، وكم من أجدادي أبيدوا معه وتدمروا.

قلت: وماذا يقلقك حقا؟

قال: ما يدور في أروقة الدنيا اليوم، فدعوى العولمة والهيمنة على العالم لم تكن جديدة فهي إرادة مفعمة بالحروب والصراعات المروعة منذ فجر التأريخ، وقد بدأ نهج العولمة العديد من الملوك والسلاطين والأباطرة المجانين، وخاضوا بسببها حروبا قاسية وما تمكن واحد منهم فرض إرادته على العالم كله، وفي القرن العشرين حصلت حروب شديدة تهدف إلى ذلك وجميعها خابت.

واليوم لديكم هذه التواصلات بأنواعها والتي جعلت الأرض عالما صغيرا، وبرزت قِوى تريد أن تتحكم بمصير الدنيا بأسرها، ولا يمكن لقوة مهما توهمت أن تفرض إرادتها إلا بالحرب، وقد تنوعت الحروب في هذا العصر وتطورت أدواتها إلى حدٍ مخيف ومرعب.

ولكن أية قوة ستفشل حتما لكنها بعد أن تبيد الملايين من الأبرياء وتحطم البلدان والعمران، فتستفيق من غيها ووهمها وتدرك أن السيطرة على العالم غير ممكنة بل ومستحيلة.

قلت: ولماذا يحصل هذا دوما؟

قال: مشكلة البشر أنه لا يتعلم من التجارب ولا يعرف كيف يسعى للسلام، والقوة أيا كانت تريد التمدد والتوسع والنماء، ولهذا تجد في الحرب متعة وغاية ووسيلة للإستثمار، فالبشر في أعماق وعيه المعتم يرى أن الغنيمة في الحرب، ولهذا فأن مسيرة البشرية تمضي على سكة الحروب، ولا يمكن إقناع القوة البشرية بأن الحرب ليست ربحا، وذلك مستحيل فعقب كل حرب تنتقل البشرية إلى مرحلة أرقى من سابقتها، وكأن الحرب تحفز القدرات العقلية والإبتكارية، وما تعيشونه اليوم هو من نتائج ما بعد الحروب التي أصبحت من ضرورات التقدم والرقاء!!

قلت: كلامك غريب ؟

قال: أنا أحدثك بلغة الواقع الذي شهدته وعايشته عبر الأجيال، وأمتلك أرشيف أحداثه، وخلاصة القول أن البشرية دوما يقدحها فرد مجنون يتربع على عرش القوة، وفي هذا الزمان لديكم العديد من المجانين الذين يقبضون على أزرار الفناء والإبادة الأرضية المحّاقة.

قلت: وهل ترى أن الدنيا إلى سعير؟

قال: إنها قاب قوسين أو أدنى، وربما ستباغتك الأخبار ذات لحظة بأن الجحيم الأرضي قد إبتدأ، لأن الشرارة الأولى ستتبعها إنطلاقات تدميرية هائلة ومتواصلة فالبقاء للأسبق، وأنت تعلم أن البشرية تمتلك قدرات كبرى، ولا يوجد في تأريخكم مَن إمتلك شيئا ولم يستخدمه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدمار وسفك الدماء وهدر الأرواح.

فأنتم على شفا حفرة السعير المستعر أبدا!!

قلت: وهل من خيار آخر؟

قال: إنها القارعة وما أدراك ما هي!!

حسبت الحمار يعبر عن حماريته، ومضيت أتجاهل ما ذكره، شأني شأن البشر الذي لا يرى إلا ما يعتقد ويتصور، فالواقع من حوله محجوب، والنظر معصوب، فالبشر لا يرى ما حوله معطوب، حتى ولو عصفت به النيران ودثره الدخان، فالبشر في حقيقته لا يرى، إنه موجود أعمى وأصم، وعقله تخنقه عواطفه وإنفعالاته وتذروه رياح السوء والشرور.

ودّعت الحمار متسائلا عمَن هو الحمار؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم