أقلام حرة

المال يسرقنا والوقت يسبقنا!

akeel alabodصديقي الذي دائما أصغي اليه، حدثني عن دعوة وجهت له لحضور غداء ابي الفضل العباس في مدينة تبعد بساعتين ونصف عن مدينته، حيث قال لا أستطيع تلبية الدعوة، رغم ان مسألتي الالتزام الاجتماعي والديني في مثل هذه المراسيم تفرض أحقية وجوبها، اواستحبابها على الأقل. ثم استأنف قائلا: المجتمع الذي نحن فيه بحاجة الى ثقافة عريضة تستوعب سبل الارتفاء بالخطاب الثقافي الديني، الذي يجب ان يحمل ببن بصماته شروط التجديد، ثم ان الالتقاء والحديث مع هذا وذاك، ايضا ضرورة اجتماعية، كونه يشعرك بوجود أناس اكثر قربا من غيرهم عنك. ترى لماذا لم تذهب؟ سألته بطريقة استفزازية، فاجاب، عندما اذهب سأمضي اكثر من خمسة ساعات ذهابا وإيابا، اضافة الى ثلاثة ساعات على الأقل معهم في حديث متكرر، عندئذ سأعود الى البيت متعبا منهكا دون جدوى. ولكن لماذا دون جدوى وانت تؤدي واجبا عقائديا؟ هكذا كان سؤالي الثاني، الذي اختزل جوابا مقنعا ومفيدا في ان واحد. قال لي صديقي الحكيم: عندي ارتباطات عقائدية تكاد ان تكون اكثر أهمية من ارتباطي مع الاخرين، من ضمن هذه الارتباطات تأليف كتاب باللغة الانكليزية يتحدث عن تربية النشئ الجديد في أمريكا، وطرق التعامل معهم عن طريق انشاء قناة فضائية تلتزم الإرشاد الروحي، والعلمي، والاخلاقي. حيث وجدت ان هنالك املا لاختزال النمط الأمثل من هذه الخطابات لتثقيف الجيل الثاني في أمريكا. هذا الخطاب ينقسم الى مستويات ثلاثة: الدين، العلم، المجتمع. اما الدين فهو الأخلاق، وأما العلم فهو الإبداع، وأما المجتمع فهو مشاركة الاخرين في انجازاتهم الإبداعية. عندئذ تأملت قليلا، لعله صاحبي الحكيم يدلي بقول اخر. وفعلا بعدها قال محاججا: الا تعتقد ان القيام بهذا المشروع اكثر أهمية من صرف الوقت مع هذا وذاك من الناس، والمجاملات التي أكثرها هذه الايام تكاد ان يتعرض بعضها الى استهلاك جميع طاقاتك المبدعة؟

اذن الوقت قيمته تفرض عليك ان تصغي الى طاقاتك المنتجة، اكثر من اصغائك الى المجاملات الفارغة. وهذا عمل له علاقة بمبدأية ثورة الامام الحسين(ع) الذي أراد منا ان نستنهض القيم الحقيقة من خلال بناء أنفسنا، وبناء عوائلنا، ومجتمعاتنا، اكثر من هذه السطحية التي تستهلكنا وتضعنا امام مساحات نحن في غنى عنها.

اخيراً قلت لصاحبي: شكرًا لك على ما أبديته، فالوقت ثمين علينا ان نحافظ عليه، مثل محافظتنا على ما نمتلك. لذلك، قال صاحبي في ختام الكلام: نعم المال يسرقنا، والوقت يسبقنا.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم