أقلام حرة

"المنقذ من الضلال" وخراب الوطن والانحلال

ali almirhigليس غريباً أن نصل إلى ما وصلنا له اليوم من فرقة وإنعزال، فمن يزرع يحصد، وما زرع ساستنا من شيعة وسنة وكرد، من لعب على وتر "الطائفية" و"العنصرية"، قد سبقهم به ومهد له نظام صدام الذي بذر ونثر سُقم "الطائفية" و"العنصرية"، فكان للفعل رد فعل مساوياً له في قوة التفريق والعزل، فكان لشعاراته "القوموية" أو "القومجية" وسياسته "الطائفية" و"العنصرية" و"المناطقية" في تهميش الكورد والشيعة، أثرها وحضورها وفاعليتها في ساستنا أولأً وفي مجتمعنا ثانياً، فكان هناك من هو مواطن أول هو "التكريتي" وإبن العم، ومواطن ثان هو السني من محافظات الغربية، وآخر مشكك في مواطنيته وإنتمائه ممن هو من الكورد والشيعة. فكان ما كان من تفرق وإنحلال في المجتمع العراقي، فما زرعه صدام حصده ساستنا اليوم من شيعة وكورد، أعادوا بذره وزرعه لنحصده نحن العراقيين خراباً وفساداً وتفرقاً وصراعاً دموياً، غذته السياسة الأمريكية البائسة حينما إحتلت العراق، وجاءت بمجلس الحكم الذي لا حكم له ولا طاعة، على أساس طائفي مقيت، وقَبِلَ به ساستنا من شيعة وكورد وسُنة، وصاروا يأتمرون بأمر الحاكم بإسم الأقوى الأقهر (أمريكا)، وما كان من دول الجوار من دور سوى إنتهاز الفرصة التي أتاحتها لهم سياسة أمريكا الرعناء في تأليب الأثنيات حينما فسرت الديموقراطية بأنها دفاع عن حقوق الأقليات وحمايته من سطوة الأكثرية!!، ولم تعد الديموقراطية "حكم الشعب لنفسه" إنما تحولت أداة تأليب بيد العنصريين والطائفيين.

وهنا بدأ دور دول الجوار التخريبي في دعمهم لكل أثنية مشابهة لهم في التوجه الطائفي أو العنصري، فصرنا نحن العراقيين حطب الصراع بين هذه الدول المتحاربة مذهبياً أو عرقياً، وصارت كل أثنية تبحث لها عن داعم ومساند خارج حدود الوطن، فضعنا وضيعتنا صراع المصالح لهذه الدول، فصرنا نعيش حياةً لا قيمة لمواطن فيها ينتمي للوطن، إنما قيمة الفرد فيما يُحسن التعبير به قولاً وفعلاً لنصرة طائفته وعرقه، وفي هذا يُثبت ولاؤه ويتجاوز كثير من المحن، وربما يرتقي درجات في سلم الصعود للبرلمان أو السلطة، فمن يبيع الوطن فهو في عليين، ومن يروم وطناً واحداً موحداً فهو في الدرك الأسفل، بل أسفل سافلين.

وهنا يأتي قولنا الفصل و"المنقذ من الضلال" للوطن من الفساد والإنحلال، وهو قول كما نعتقد يقبله العقل رغم ما فيه من بعد وعظي، ولكن القول في مثل هكذا موضوع غايته لم الشمل وإزاحة الحِمل، وبه يترادف العقلي مع القيمي (الأخلاقي والجمالي).

وبعد أن أبّنا أسباب الخلاف والفرقة، وهي جلية وواضحة، يتفق عليها جل العراقيين إن لم يكن كلهم، فالمُنقذ هو "الإيثار" والتضحية ببعض ما نعتقد أنه مكتسبات قومية أو طائفية، وهذا ليس بأمر صعب المنال أو من المحال كما يظن أكثر القوم، إنما هو أمر ممكن، وله في التاريخ شواهد وعبر، ففي تاريخنا، قد تسامح الكورد مع ما سُميّ ب "الجحوش"، وفي تاريخنا دعوة السيد السيستاني للعفو عن البعثيين ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين، وتذكيره بأن "السنة هم أنفسنا" لوأد الفتنة الطائفية. وفي التاريخ العالمي لنا في غاندي مثال يُحتذى في "فلسفة الصبر" التي قهر بها أعتى دولة كولنيالية في ذلك الوقت وهي المملكة المتحدة (بريطانيا)، ولنا في نلسن ماندلا الذي صار أيقونة الإيثار حينما تخلى عن بعض حقوق السود وحثهم على التعامل مع البيض بوصفهم مواطنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولكنه وظع نُصبَ عينيه المصلحة العامة لكل المواطنين من بيض وسود، ولم يمنع البيض من مشاركة في بناء جنوب أفريقيا رغم ممارستهم وإيغالهم في إمتهان الأغلبية"السود".

ولنا في لنكولن "محرر العبيد" قدوة في تفانيه في الدفاع عن حقوق "الزنوج" ومساواتهم مع البيض في أمريكا بعد أن كانوا يعاملون وكأنهم ليسوا بشراً، إنما هم أقل رُتبة من الكلاب، وإنتصر لهم لنكولن، فصار بفعلته هذه بطلاً قومياً يُحتفى به عند السود والبيض على حد سواء.

أقول قولي هذا وأنا متشاؤل، ولكني لا أستبعد أن يتعض بعض كبار ساستنا، ويستكينوا قليلاً ليتعضوا ويعودوا لأحضان الوطن، ليُصّير من إتعض منهم نفسه في خانة العُظماء.

فالمراهنة على تعقل القادة ووعيهم لمقدار الخطر الذي يحيق بنا، ولا تعويل لنا على عامة الناس لأنهم يتبعون قادتهم، فإن قال قادتهم نعم للوطن، قالوا نعم، وهم في قولهم هذا مرتاحوا الضمير، وإن غير القادة قولهم للضد فهم معهم على قاعدة "ذبها برقبة عالم وإطلع منها سالم".

ختاماً: إتضح قولي والمقصد، في أن "المنقذ من الضلال" هو إيثار القادة التاريخيين، فمنهم يُرتجى الحل، وبهم يلتوي الحبل وتكثر عُقده.

 

 

في المثقف اليوم