أقلام حرة

بوح إلى أبي الطيب المتنبي

jawad abdulkadomفي قصيدته الشهيرة (عيد بأي حال عدت يا عيد) بيت استوقفني منذ قرأته لأول مرة في مطلع شبابي، ولم ترقْ لفكري حينها كلمة (عبد) فيه فاستبدلتها بكلمة (وغد)، ليكون :

ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ    يُسِيءُ بي فيهِ (وَغْدٌ) وَهْوَ مَحْمُودُ

وكم وقفت متسائلا : كم بلغت الحال من السوء وضاقت الدنيا على الشاعر حتى فاضت جادت قريحته بمثل هذا الشعر ؟!!

في الأيام الأخيرة وقد عانيت مثلما عانى غيري من العراقيين من سوء ما بلغته الحال من التدهور والتمزق والتناحر والاحتراب، وجدتني أستعيد استذكار بيت أبي الطيب الذي عاب فيه زمنه وتمنى لو لم يبلغه، وشاركته هذه الأمنية بعد أن مرّ أمام عيني شريط صور متتابعة لعقود ماضية وتتعلق بقوة ارتباطي بوطن حبيب اسمه (العراق) ..

لقد أدركت السنوات الأخيرة من العهد الملكي ووعيت العهد الجمهوري الأول والثاني والثالث، وشهدت الحروب المتتالية والكوارث والحصار، وسقوط بغداد وحلول الخراب والفوضى وتسيد اللصوص والرعاع والخونة الذين أوصلوا العراق إلى ما هو عليه اليوم من التدهور والضياع !!

كم تضيق نفسي لما أرى ؟! وكم تتألم روحي لما يحدث ؟!

هناك من يعجب لما ينتابني من هذه المشاعر، ويحسبها بعض مبالغة، ويعتب عليَّ !!

وجوابي لقد مرّ في شريط ذكريات حياتي  صور لرجال رجال في غاية الأمانة والإخلاص والشجاعة وقد رحلوا من دون بديل، وجاء نقيضهم اليوم !!

ألا يؤلم غياب رجال قادة من أمثال فيصل الأول في حكمته، وعبد الكريم قاسم في نزاهته، ومن رئاسة الوزراء غياب من أمثال نوري السعيد في حنكته ومحمد فاضل الجمالي في علميته وعبد الرحمن البزاز في قانونيته وناجي طالب في شخصيته !! وجلوس أمعات في مواقعهم !!

ألا يفجع غياب وزراء حازمين من أمثال سعيد قزاز وعبد الرسول الخالصي ومحمد مهدي صالح !! وحلول تافهين في أماكنهم !!

ألا يدمي القلب فقدان قادة شجعان من أمثال عمر علي وغازي الداغستاني وإبراهيم فيصل الانصاري !! ومجيء متخاذلين في مناصبهم !!

كيف لا تصيبنا العلل عند رؤية محافظين فاسدين من أشباه ماجد النصراوي وصادق مدلول وقد شغلوا إدارة محافظات كان فيها من قبل عبد الرزاق عبد الوهاب ومحمد زكي الخياط !!

ألا تضيق النفس ذرعا وهي ترى أفعال فدم متمرد استأسد وهو الأرنب عندما غابت الأسود فراح يصول ويجول، ولم يجد إلى الآن بطل عراقي مثل سعيد حمو ليفرك فمه قبل أن يسرده طولا وعرضا ويعيده إلى جحره !!

أنا مثلك يا أبا الطيب يا سيد الشعر والقافية، أشاركك الألم والحزن واللوعة على بعد الزمن، وأردد معك بلسان حالي :

ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ    يُسِيءُ بي فيهِ (وَغْدٌ) وَهْوَ مَحْمُودُ !!

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم