أقلام حرة

الأسود والغزلان والعرب في الميدان!!

sadiq alsamaraiمن قوانين الطبيعة العجيبة، أن الغزلان لو تُركت بلا أسود أو مفترسات أخرى فأنها ستتقاتل ويتناطح فحولها بشراسة فائقة، وكذلك أناثها ستتفاعل بروح تنافرية عالية، أي أنها تتأسد على بعضها البعض، وكأنها تعبّر عن غريزة القوة الكامنة فيها ما دام لا يوجد مَن يقمعها ويوظفها بإتجاهات أخرى.

وذات السلوك موجود بين الخرفان التي تتقاتل بعنفوان عندما يغيب المُهدد لوجودها والطامع بأكلها من الحيوانات الأخرى، رغم أن الخرفان تذعن لراعيها الذي يعلفها لكي تسمن فيذبحها.

وفي عالم الدجاج يحصل ذات الشيئ، وعند باقي المخلوقات بأنواعها ومنها البشر الذي يحكمه قانون عام خلاصته، أنه يتكاتف عندما يشتد عليه خطر الحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير وغيرها من مهددات المصير الجماعي.

ولو أخذنا أي مجتمع بشري تعرض لتهديدات خارجية فأنه يتكاتف ويعتصم بالوطن والدفاع عن حياضه، إلا العرب فأنهم كلما تعرضوا لأخطار أكبر إزدادوا تشظيا وتفرقا وتصارعا فيما بينهم، وهذا سلوك شاذ ويدعو لوقفة تأملية وتحليلية، فغرابة السلوك مذهلة ومرعبة في ذات الوقت، فالعربي ما أن تشتد عليه الأخطار حتى يتوجه نحو أخيه العربي يكيل له الإتهامات ويشحذ قواه لمواجهته والتقاتل معه.

سلوك تكرر في الواقع العربي منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين ولا يزال في ذروته وتفاعلاته التدميرية الحامية، فالذي يدمر العرب هم العرب، والذي يعادي العرب هم العرب، والأنظمة العربية منذ نشأتها تسير على مناهج العداء والعدوانية السافرة على بعضها البعض، وما تكاتف العرب وتضامنوا إلا لقتل العرب، ودليلنا على ذلك أن العرب هم الذين وفروا الوسائل الكفيلة بتدمير العراق، من قواعد عسكرية وتدابير لوجستية، فجميع القوات البرية إنطلقت من الدول العربية وكذلك الصواريخ من المياه العربية.

واليوم يتكاتف العرب لمعاداة هذه الدولة أو تلك من دولهم، ويتآزرون مع أعدائهم للنيل من أخيهم العربي.

فكيف بربكم تفسرون هذا السلوك؟!

لا نريد الدخول في تحليلات نفسية وعلمية ولكن التفسير الجلي والدامغ أن الدول العربية ذات أنظمة تابعة لقوى أخرى، وتتصرف وفقا لمصالح تلك القوى وهي تفعل ما تؤمر وحسب، ولا يوجد تفسير آخر وإجتهاد لتعليل هذا السلوك العربي الشاذ والمتقاطع مع أبسط قواعد السلوك القائم فوق التراب ما بين الأحياء.

فالعرب محاطون بالأخطار والتحديات وليسوا في جزيرة معزولة، لكنهم يتصورون ذلك ويعلنون الحرب على بعضهم البعض والوحوش المفترسة من حولهم تتخير فرائسها السمينة، وتتمتع بلحومها الطرية اللذيذة والعرب شاردون في غيهم وببقالتهم يتنعمون.

فهل من سلوك حيواني مستقيم؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم