أقلام حرة

هموم رأس السنة العراقي

 بمرض الكوليرا وعادة ماترى رأس السنة في بعض البلدان الإفريقية يشكو من الأمراض الفتاكة كالأيدز والملاريا، لكنك ترى رأس السنة في بلد أوربي مثلا بوجه معافى وخدود متورّدة وعيون زرقاء لامعة وحيوية وثمة إبتسامة ساحرة ومطمئة على ملامح وجهه وهو يضع طاقية بابا نؤيل الحمراء على رأسه مع مصابيح الزينة الملونة فتحسده من مجاهيل قلبك على هذه السعادة الوارفة التي يتمتع بها رأس السنة الأوربي، واذا ما أردت الذهاب الى رأس السنة الأمريكي ستراه مزحوما بالمشاكل الإقتصادية مع قلق التطلعات التي تحملها السنة الجديدة على يد رئيسه الشاب الأسمر والوسيم " أوباما "، ومع أن رأس السنة الأمريكي في السنة الماضية تعرض الى رشقة متهورة وغير متوقعة وبسلاح عراقي محلي مصنوع من الجلد الحيواني الرخيص كاد يفصل عنقه عن جسده المترهل بالمشاكل التي لاحصر لها  لكنه ظل مبتسما ولو على مضض، بينما ترى رأس السنة الآسيوي مزركشا بالقماش الملون تحف به الطبول والرقص الإيقاعي وبعيون مثقلة بالكحل وشفاه مصبوغة بأحمر الشفاه وترى أيضا رأس السنة الآسيوي يحرق البخور حتى يطرد الحسد من العيون التي تلاحق نموه الإقتصادي المضطرد والذي صار يشكل قلقا حقيقيا للرأس الرأسمالي الدائخ بالأزمة العالمية الجديدة، بينما تجد رأس السنة الإسترالي منتشيا بالنبيذ المعتق في حقول الكروم منذ سنوات بعيدة وقد حرص ان يضع مصابيح الزينة على أسوار وسقوف بيته بمشهد يسر الناظر، وحين تقرر رؤية رأس السنة العربي فستجد ان هذا الرأس مضطربا من أوجاع الحصار في غزة، والصراع الخفي في بيروت، وشحة الحمص في دمشق وإرتفاع أسعار اللحم في الأردن، ورعب قراصنة البحر في الصومال، وإنحسار أو سيول المطر في بلدان الجزيرة العربية، وتعثر الإستثمار في المغرب العربي،  وحيرة رأس السنة العربي بين الإحتفال بأعياد المسيح وبين حلول العام الهجري الجديد، فترى رأس السنة العربي تارة يزغرد منتشيا بميلاد المسيح وتارة أخرى غارقا بالصلوات متوسلا العزيز الجليل ان يغفر له السوءات التي ارتكبها خلال العام الهجري المنصرم ، اما في بلدي الجريح يمكن ان تجد رأس السنة هناك مازال يئن من الجراح التي خلفتها تلك السيارة المفخخة في شارع ما، ويمكن أن ترى ضمادا على جبهته ودخان بارود على خديه وحزنا مستديما في عينيه وهو يأمل الحصول على فروقات الزيادة بالرواتب ووصول مفردات الحصة التموينية دون نقص مع حلول العام الجديد، وليس هذا فحسب بل أن رأس السنة العراقي يمكن الإستدلال عليه بسهولة من بقع الدم التي تغطي وجهه ومن صوته المبحوح على عربة الغاز املا بالحصول على عبوة غاز يطبخ بواسطتها رز الحصة التموينية المتعفن بعد ان اصبح سعرها اكثر من عشرة دولارات، ويمكن لك أن ترى رأس السنة العراقي متوجعا حائرا من دوامة الإنتخابات والقوائم الإنتخابية فأذا عزم إنتخاب القائمة الفلانية جاءه الرد الذي يقول له ان بلاغ المرجعية الدينية لايسمح بذلك، وإذا ماقرر المكوث في بيته حتى يكون بمنأى عن دوخة الإنتخابات سيقولون عنه  لايحب العراق الجديد ويضمر حبا للنظام المباد .. وهكذا ترى رأس السنة العراقي من دون جميع رؤوس السنة وفي جميع البلدان منهكا حزينا  غاضبا متوجعا حائرا وبيده ورقة الإنتخابات حائرة هي الأخرى .. ولا أظن ان حبوب الترومايسين أو الأسبرين وحتى مرهم " أبو الفأس"  بوسعه ان يزيل الصداع الذي يلازمه منذ نشوء الدولة العراقية وحتى الآن ولا أدري متى يبرأ رأس السنة العراقي من هذا الوجع وهذه الأحزان .. متى لا أدري والله؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1274 الجمعة 01/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم