أقلام حرة

السارق حين يصير مصدرا!

jawad abdulkadom2لا أظن كاتبا في مثل حالي المتواضع تعرض للسرقات الأدبية كما تعرضت لها، وقد ابتدأت معي منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن؛ حتى أنني لكثرتها فكرت مرارا بتأليف كتاب خاص عنها بعنوان (هؤلاء سرقوني) !! أضمنه تفاصيل جميع السرقات التي تعرضت لها ووقفت عليها عيانا واحتفظ بأولياتها، ولا أنفي قطعا وجود سرقات أخرى في الصحف والمجلات والكتب الصادرة حديثا فاتني اكتشافها والعثور عليها لحد الآن، كما يطلع عليها أحد أصدقاء فيخبرني بها كما حدث مع بعضها سابقا، وربما يكتشفها أحد في القادم من الأيام، وينبه لها كما فعلت حينما رأيت ما سرق من غيري من الأحياء والأموات !!

وأغلب السرقات التي تعرضت لها تدور في محور موضوعات مدينة المسيب ؛ تأريخها وجسرها ومزاراتها وسير علمائها وأعلامها وما إلى ذلك، وكنت قد بكرت في البحث عن تراث مدينتي المسيب وتدوينه، وبادرت منذ عقود إلى ممارسة النشر في هذه الموضوعات من حين لآخر، وقد تضمنت نشرياتي المتنوعة معلومات مفيدة وأخبار جديدة واستنتاجات مهمة لم يسبق لأحد الوقوف عليها أو الوصول إليها، أو من سبقني في النشر عنها، فظهر بعض ما لدي في مجموعة من الصحف والمجلات والمؤلفات المطبوعة منذ منتصف عقد الثمانينيات، أما السرقات التي تعرضت لها كتاباتي فهي واضحة تماما كلها من ناحية السبق الزمني ولأن السارق اعتمد النقل الحرفي لها من الأصل في أغلب الأحيان .

من السرقات المشينة التي تعرضت لها – على سبيل المثال - تلك السرقة التي قام بها عبد الكريم علي الوائلي وهو موظف في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد ومؤتمن على كتب المؤلفين العراقيين المودعة في مكتبتها كما يقتضي الحال، إلا أنه – للأسف الشديد - خان الأمانة، وقام بنقل فقرات كاملة من كتابي (من تراث المسيب الشعبي) المطبوع سنة 2002م ، وكنت قبل ذلك قد نشرت بعض فصوله في مجلة (التراث الشعبي) سنة 2001م، وأعاد نشرها باسمه – من دون ذرة حياء - في صفحة (ذاكرة عراقية) بجريدة المشرق في نيسان سنة 2008م، وقد كتبت رسالة  للجريدة بذلك وعززتها بالأوليات، فنشرت رسالتي على رأس الصفحة المعنية لاحقا، وأقمت دعوى قضائية ضد السارق في محكمة بداءة المسيب، فجاءني متوسلا من بغداد، وأرسل من يتشفع له ويرجوني التنازل، فتشددت في البداية ثم تراجعت رأفة به ولما تعرضت له من ضغوط فأهملت متابعة الدعوى !!

وفوجئت بعد بضعة أشهر برؤية ما سرقه الوائلي منشورا  باسمه ثانية، ولا أعرف إن كان بعلمه أم لا في صفحة (ذاكرة عراقية)  بجريدة المدى في أيلول من السنة نفسها 2008م ؛ كما نشر الموضوع على موقعها الالكتروني، فكتبت من جديد للجريدة وأرفقت الأدلة كلها، فحذف من الموقع من دون الإشارة إلى السرقة  .

وتكرر الأمر للمرة الثالثة إذ نشر الموضوع في الموقع الالكتروني لمدينة المدحتية سنة 2011م، وكما حصل في المرتين السابقتين أعدت الكرة بالكتابة إلى القائمين على الموقع، وأخبرتهم بحقيقة السرقة مع الأوليات، فاعتذروا لي برسالة الكترونية، وتم حذف الموضوع من الموقع مباشرة .

ولم تنته قصة هذه السرقة بعد، فقد عادت اليوم شاخصة أمام عيني للمرة الرابعة حين وجدت كتابا صدر حديثا لمؤلف صديق أعتمد سرقة الوائلي مصدرا لكتابه وهو لا يعرف عنه شيئا ولا مكان نشره، ولم يدقق فحواه !! وغفل عما جاء في كتابي الأصل (من تراث المسيب الشعبي) وهو قريب منه بل بين يديه !! وقد رأيت في السكوت عن ذلك تشجيعا للسارقين وإخفاءً للحقيقة، فكتبت هذه التنبيه، وأملي أن يطلع عليه المؤلف الصديق ويصحح الخطأ، ويجري اللازم.

وبمناسبة الكلام عن سرقة عبد الكريم الوائلي هذه، فقد تابعت عددا من منشوراته في جريدة المشرق لاحقا، وهالني أن أجد بعد مدة قصيرة سرقات أخرى له من آخرين ؛ منها نشره باسمه لفقرات منقولة حرفيا من رسالة ماجستير لطالب في جامعة بابل أرخت لسيرة السياسي العراقي عبد الوهاب مرجان، ونشر الوائلي ذلك من دون الإشارة إلى المصدر وكأن المكتوب من بنات أفكاره وحصيلة جهده، وقد أخبرت الجريدة بذلك مباشرة مع الأدلة، فأشارت له وامتنعت عن نشر كتابات الوائلي لبعض الوقت، وطلبت منه ضرورة ذكر المصادر التي ينقل منها في كل مادة يقدمها، وأرغمته على ذلك !!

هذه سرقة واحدة من عدد غير قليل من السرقات التي تعرضت لها خلال السنوات الماضية، وما أزال من ذوي النفوس الضعيفة والأقلام السقيمة الذين يريدون العيش كطفيليين في عالم الثقافة والأدب من دون أن يتعبوا أنفسهم ويجتهدوا مثل غيرهم، فجهلوا أصول البحث والكتابة، وابتعدوا عن الصدق والأمانة، واستسهلوا - لسوء حظهم - السرقة وأحبوا الإدعاء، وافتخروا بما ليس لهم فانزلقوا للحضيض، وانكشف أمرهم، وخسروا سمعتهم عند القراء المتابعين والنقاد المتخصصين، وانتهى حالهم إلى السقوط في مستنقع الفضيحة، وقد لحق بهم العار الأبدي !!

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

1406 jawad

 

 

في المثقف اليوم