أقلام حرة

الجاهلية الأولى تحيا بأوطاني!!

sadiq alsamaraiقرأنا وسمعنا عن الجاهلية وهي الكلمة الأكثر تداولا عبر الأجيال ومذكورة في القرآن والأحاديث والمرويات، ومن المعاني المترسخة في الأذهان أنها الأمية وعدم القرأة والكتابة، رغم أن الكثيرين وعبر العصور حاولوا تقريبها إلى الوعي الجمعي بمعانيها الحقيقية.

فالواقع أن العرب لم يكونوا أمة جاهلة بمعنى الجهل المعرفي والثقافي، وإنما الجاهلية المقصودة والتي توجه إليها الإسلام وتصدى لها النبي برسالته، هي الجاهلية التي نعيشها اليوم، فهذه هي الجاهلية الأولى الحقيقية التي عاشها العرب قبل الإسلام، وها نحن نعيشها اليوم بأساليب غيرمسبوقة، فالإسلام أخرج العرب من جاهليتهم الأولى لكنهم وبعد قرون أخرجوا أنفسهم من الدين وعادوا إليها، والإسلام أخرجهم من الظلمات إلى النور، وها هم  يخرجون من النور إلى الظلمات.

فالعرب اليوم يستعملون الدين للتعبير الأقبح والأوحش عن جاهليتهم الأولى، ويبرهنون عليها بالأدلة والوقائع والتفاعلات المريرة، التي زعزعت هويتهم وما يدل عليهم من السمات والمواصفات الحضارية.

فالعرب بحاضرهم يعيشون زمن الجاهلية الأولى بقضيضه ونفيضه، وهم خير المترجمين لجوهره،

وهذا ما تجنيه جاهلية العرب المعاصرة على العرب أجمعين، وبالدين يشيدون أعمدة الجاهلية الحمقى في زمن الأنوار المعرفية والحريات العلمية المطلقة.

هذه الجاهلية المعاصرة حوّلت البعض إلى قنابل بشرية موقوتة، فعبيد الأصنام بضائع وسلع وأرقام مسخرة لتنفيذ نوازع النفوس الأمار بالسوء والفحشاء والمنكر، ولهذا أستُهدفت أماكن العبادة بأنواعها وعقائدها، لأنها لا تحتوي اصناما تقرب زلفى للرب المتصور على الهوى.

والقتل من طقوس وشعائر جاهليتنا الفتاكة، وأصبح المجتمع كينونات متصاغرة خانعة تابعة تنفذ مشروعات وبرامج أعداء الدين والوطن، والحكام على كراسي التنفيذ الفوري لمشاريع الأسياد والحُماة، فأضحت الفرقة مشروعا إستثماريا، والدين تجارة مربحة، والبشر بضائع في مزادات الفتاوى وأسواق القتل بالجملة والمفرد.

ووفقا لمقتضيات الجاهلية المعاصرة الخلاقة، هدمت بيوت ومساجد وصوامع ومعابد،  وإنمحقت مدن عن بكرة أبيها، وأزيلت شواهد حضارية ورموز وطنية، وتحرّف التأريخ وتحقق حشوه بالأضاليل والبهتان، وتم تعطيل العقل وإجتثاث الإنسان، فالكل عليه أن يكون خانعا راتعا يتبرك بلحية دجالٍ لئيم، ينزف السم الزعاف من فمه وعيونه، ويتظاهر للناس على أنه من أصحاب التقوى والمعرفة، والنزاهة والنبل والسمو، وما هو إلا فاسد لفاط رجيم.

وتلك حكاية الجاهلية العائدة إلى عصر العرب، وتسعى أن تبقى في ديارهم لقرن فتاك وتريدُ أن تقيم!!

فهل من عقل  يا أمة إقرأ والصراط المستقيم؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم