أقلام حرة

المُلاءمة الزمنية!!

sadiq alsamaraiمصطلح يُراد به التوافق النفسي والسلوكي والفكري مع معطيات الزمن الذي نكون فيه، فالمستحقات الزمنية لها دورها في صناعة الحياة، ولا يمكن تجاهلها أو إغفالها والتوهم بغيرها.

وهذا المفهوم الجوهري للوجود الأرضي موّضح بدقة عبر العصور التأريخية، وتشير إليه العقائد السماوية والأرضية، وجميع المفكرين والمصلحين وقادة الحياة في كافة الحقب والفترات والحضارات.

وهناك علاقة مصيرية حتمية ما بين وعي المستحقات الزمنية وضرورات الديمومة والبقاء، فالذين يغفلونها يندثرون والذين يعزّونها ويتفاعلون معها يتواصلون، ولهذا أكد القرآن على تواصل الأجيال وتفاعلها وتواصيها، وهناك العديد من الأقوال والوصايا التي تحث على وعي الزمن الذي يكون فيه البشر، أو العصر الذي يعيش فيه، وعليه أن يستوعبه ويجري في تياره ليحقق النماء والتطور والإقتدار.

هذه حقائق راسخة في الوعي الجمعي البشري، وهي صوت لم ينقطع صداه منذ إبتداء الخطو البشري فوق التراب، وموضح في ملحمة جلجامش وغيرها من الكتابات في الحضارات السالفة وفي كتابات المصريين القدامى.

وكانت فكرة الخلود أو البحث عنه من المجاهدات الإنسانية الأزلية، والتي تشير في فحواها للوصول إلى حالة تعبيرية ذات قدرات تواؤمية مع الزمن بمنطلقاته وعناصره المتجددة، وتكون متناسبة مع دفق الأجيال المتوافدة إلى ميادين الحياة.

وفي القرون السابقة كانت الموجودات والمبتكرات ذات قدرات بقائية أطول لقلة التواصل وتباطؤ الحركة والتفاعل، وهيمنة الحروب والكوارث وصولات الأوبئة والأمراض، التي تحصد البشر وتمنعهم من إكتساب التراكمية المعرفية، أما اليوم فأن مقتضيات الزمن تتبدل وتتجدد بمقياس الأيام والأسابيع، وهذا يعني أن المواءمة الزمنية تتطلب جهودا تفاعلية جماعية، وقدرات إدراكية وتعلمية متواكبة مع سرعة الإضافات والمبتكرات والإبداعات الفياضة، التي أغرقت الوعي البشري وتسببت بإختناقات فادحة، دفعت ببعض المجتمعات السقيمة العاجزة الكسيحة للتقهقر والإندحار في بقع زمنية متآكلة منخورة، داستها سنابك العصور وأحالت رموزها إلى هباء لا أثر له في الأجداث الوهمية، التي بني التصور فيها وعليها وكأن المتقهقرين يريدون إحياء ما لا يمكنه أن يعيش في غير عصره.

وهذه كارثة حضارية وسلوك خطير يتسبب بخسائر مروعة وإمحاقات فادحة لمسيرات أجيال، ويحرمها من التواصل مع زمنها والتعبير المعاصر المنير عمّا فيها، وهي توجهات معاكسة لبديهيات الجريان وقوانين الحياة والتدفق المتوثب المتسابق مع حتم الدوران.

ومما يغيب عن المتقهقرين أن الدوران يفرض التجدد، ويعلن أن كل يوم لا يشبه سابقه أو لا حقه، وعلى الأحياء أن تدرك أنها في ميدان سباق وتوثب وتطلع إلى أمام، وأية لفتة ورائية تعني السقوط والإندحار والإنسحاق تحت سنابك الراكضين!!

فهل من قدرة على رؤية المستحقات الزمنية يا بشر؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم